أحكام طرق ووسائل تحديد وتنظيم النسل
إنّ مسألة تحديد وتنظيم النسل كما تقدم لا تعني نظر أصحاب القوانين الوضعية فحسب, أو علماء الطب والاجتماع وغيرهم, وإنما لا بد أن يكون للشرع أيضاً موقفٌ إزاءها، وإزاء الوسائل المستخدمة في تحديد وتنظيم النسل على النسق الملائم والمنسجم مع أهداف ومضامين الشريعة الإسلامية, لذلك سنعرض في هذا الفصل إن شاء الله حكم كل طريقة من شأنها أن تكون حائلاً دون الإنجاب وإيجاد الأولاد، مع ذكر آثارها.
حكم العزل في الإسلام:
عند المذاهب الأربعة:
حصيلة ما توصلنا إليه -على سبيل الاختصار هنا- أن الأئمة الأربعة متّفقون على جواز العزل عن الزوجة إذا كان برضاها, أما إذا لم يكن برضاها فالأئمة الثلاثة مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، والنعمان أبو حنيفة، متّفقون على التحريم، بينما الشافعية في ذلك على وجهين، منهم من وافق الجمهور، ومنهم من خالفه فأجازه مطلقاً.( 1)
دليلهم على الجواز في أصل المسألة: اعتماداً على جملة من الأحاديث الواردة عن النبي ? في هذا الشأن وقد تقدم ذكرها، منها: عن جابر أنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله ? فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهانا.( 2)
ومنها: ما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، وأيضاً الترمذي, وابن ماجه في السنن, عن جابر ? قال: كنا نعزل على عهد رسول الله و القرآن ينزل.(3 ) وغيرها من الروايات التي تدل على جواز العزل لفظاً أو تقريراً. وأمّا دليل شرط رضا الزوجة عندهم، ما ورد عن عمر بن الخطاب قال: نهى رسول الله ? أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها.(4 )
وكذا تدخل تحت قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وتقريب الاستدلال: أن للزوجة في الولد حقًّا مع الزوج، وفي تفويت هذا الحق إضرار بها. ثم إن العزل من شأنه أن يفوت عليها لذة الجماع، فإن عزل عنها بدون رضاً منها فقد أضر بها.(5 )
هذا خلاصة رأي القوم في حكم العزل.
ولكن هذا كله إذا لم يكن هنالك ضرر بهما، أو بأحدهما، وإلا فهو عندهم حرام وغير جائز.
عند الشيعة الأمامية:
لا إشكال في جوازه عند الجميع في غير الحرة، وفي الحرة المتمتع بها، أو الدائمة مع إجازتها.
والدليل على ذلك نصوص، منها: عن أبي جعفر محمد بن علي ? أنه سئل عن العزل فقال: > أما الأمة فلا باس وأما الحرة فإنه يكره ( في الوسائل فإني أكره ) ذلك إلا أن يشترط ذلك عليها حين يتزوجها<.( 6)
وعن جعفر بن محمد ? أنه قال: لا بأس بالعزل عن الحرة بإذنها...الخ.( 7) ونحوها من الروايات( 8).
إنّما الخلاف في العزل عن الحرة مع عدم إجازتها، فالمشهور بين الأصحاب الجواز على كراهة. والدليل على جوازه نصوص صريحة، منها: عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر ? الرجل تكون تحته الحرة يعزل عنها ؟ قال ذاك إليه إن شاء عزل وإن شاء لم يعزل.( 9) ولم يقيد الإمام ? ذلك بإذنها.
ومنها:عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ? قال:> لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة أن أحب صاحبها وإن كرهت ليس لها من الأمر شيء<.(10 ) وعنه ?:بعد ما سأله محمد بن مسلم عن العزل قال:> الماء للرجل يصرفه حيث يشاء<.(11 ) وغيرها من الروايات.
الدليل الثاني: ما ذكره الشيخ في الخلاف: العزل عن الحرة لا يجوز إلا برضاها، فمتى عزل بغير رضاها أثم وكان عليه عشر دية الجنين. وكذا في المبسوط فيقول: فإن لم تأذن فهل له العزل؟ على وجهين: أحدهما ليس له ذلك وهو الأظهر في رواياتنا.(12 ) وعن المقنعة: ليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرة إلا أن ترضى منه بذلك.( 13) وأيضًا عن الشهيد الأول يقول: ولا يجوز العزل عن الحرة بغير شرط فتجب دية النطفة لها عشر دنانير.(14 )
أما قول الشيخ في النهاية فهو يجيز العزل في حالة الزواج المنقطع، ليس الدائم كما ظن البعض منه التهافت, حيث يقول من خلال كلامه في باب زواج المتعة يجوز للرجل العزل وإن لم يكن شرط.( 15)
ودليلهم: عمدة أدلتهم على عدم الجواز إلا برضاها, الإجماع, والروايات, ومنافاته لغرض الشارع.
أما الروايات فهي على قسمين:
الأول: ما تدل بالمطابقة, وعمدة ما عندهم هذه الرواية: عن جعفر بن محمد ? أنه قال:> الوأد الخفي أن يجامع الرجل المرأة فإذا أحسّ الماء نزعه عنه وانزله في ما سواها فلا تفعل ذلك فقد نهى رسول الله ? أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها وعن الأمة إلا بإذن سيدها<.(16 )
الثاني: ما تدل بالالتزام، كما في الحديث عن أمير المؤمنين ? إنه قضا في الرجل يُفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك, بنصف خمس المائة (عشرة دنانير).(17 )
وتقريب الاستدلال: إن وجوب الدية هنا مستلزم حرمة العزل.
والكل قابل للنقاش:
أما الإجماع: فهو إدعائي ومخالف للمشهور في جواز العزل مطلقاً. فهذه أقوال أكثر العلماء قديماً وحديثاً تقول بجواز العزل عن الحرة الدائمة من دون إذنها, لكن على كراهية فراجع.( 18)
وأما الرواية الأولى المطابقية، ففيها:
أوّلاً: منع السند. مع أنها لا دلالة فيها على التحريم.(19 )
ثانياً: معارضتها للروايات الكثيرة والصريحة، التي تقدم ذكرها من جواز العزل من دون إذن الزوجة.
أما رواية النطفة، فهي:
أوّلاً: مربوطة في حال الخوف وإفراغ المني بدون إرادة واختيار من الغير, وتسريته إلى المختار بالعزل ضرب من القياس الباطل.
وثانياً: لو سلمنا أنها تدل على حرمة العزل فهو معارض الروايات الصريحة التي تجيز العزل كما تقدم ذكرها, وعند فرض التعارض والتساقط يرجع للأصل وهو براءة الذمة. وقد كفانا مؤونة الرد مفصلاً العلماء المتقدمون والمتأخرون فراجع.(20 )
دليل منافاة العزل لحكمة الشارع:
إن في حكمة تحريم العزل بدون رضاها فيه أوّلاً: منافاته لغرض الشارع من شرع النكاح؛ لأنه تضييع للنسل, ولذا حرم الاستمناء. وثانياً: فيه فوات الالتذاذ على المرأة أو فيه إيذاء لها.
يرد عليه:
إضافة إلى النصوص الصحيحة المتقدمة وما عليه المشهور, أنه لو كان هذا منافياً لغرض الشارع للزم منه تحريم العزل مطلقاً، حيث إن المناط واحد سواء أذنت أو لم تأذن؛ لأنه مع إذنها واتفاقهم على العزل يلزم تضييع النسل أيضاً، ومنافاة غرض الشارع. وأما لو سلمنا أن فوات الالتذاذ وما شاكله يكون سببًا للحرمة، وهو غير ثابت, حيث إنه يمكن للزوجة أن تنزل وتلتذ قبل حدوث العزل كما هو واضح.
وكيف كان قد ثبت ما يهمنا ونروم إليه في المقام من جواز العزل، ولو عند توافق الزوجين, فإن العزل بما هو ليس أمرًا مرفوضًا من قبل الشارع وإنما جائز بالاتفاق.
هل للمرأة ماء ؟
وقد وقع النزاع قديماً حول هذه النقطة، فقد نفى أرسطو أن يكون للمرأة مني. بينما – جالينوس - أشهر أطباء اليونان القديمة أثبت أن للمرأة منيًّا, وإن كان يختلف عن مني الرجل في طبيعته, وأنه لا يقذف ولا يندفع، وإنما يسيل على العضو المخصوص. والعلم الحديث يقرر هذه الحقيقة، وإنما يفسرها بأنه إفرازات المهبل, وغدد بارثولين المتصلة به, وإن هذه الإفرازات ليس لها دخل في تكوين الجنين, وإنما وظيفتها ترطب المهبل وتسهل ولوج القضيب، كما أن من وظيفتها حماية المهبل والجهاز التناسلي من الهجوم الميكروبي.(21 )
حكم احتلام المرأة
والحكم الشرعي لهذه الإفرازات التي تخرج من المرأة أثناء الاحتلام، أو عن طريق العادة السرية موجب للغسل. كما ورد عن أُم سليم امرأة أبي طلحة قد جاءت إلى النبي ? فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت ؟ قال: نعم إذا رأت الماء.(22 )
وعن رواية أديم بن حرقان: سألت أبا عبدالله ? عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال نعم.( 23)
وعن الحلبي عن أبي عبدالله ? قال سألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال: >إذا أنزلت فعليها الغسل وإن لم تنزل فليس عليها الغسل<.(24 ) وكما هو ثابت عند الفقهاء ?: المرأة تحتلم كالرجل ولو خرج منها المني حينئذٍ وجب عليها الغسل.(25 )
فائدة ماء المرأة:
فائدة هذا الماء عند الجماع يختلط بمني الرجل ويتقلص الرحم تقلصات عديدة، تدفع بهذا الماء المختلط من مني الرجل وماء المرأة إلى الرحم، ومنه إلى قناة الرحم, حيث يلتقي الحيوان المنوي البويضة ليلقحها. لكن العلم الحديث أثبت أن الحيوانات المنوية للرجل يحملها ماء دافق وهو ماء المني, كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة جراف محاطة بالماء, فإذا انفجرت الحويصلة تدفقّ الماء على أقتاب البطن، وتلقفت أهداف البوق البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم، حيث تلتقي الحيوان المنوي...(26 )
يتضح من هذا أن للمرأة نوعين من الماء:
أولهما: ماء لزج يسيل ولا يتدفق، وهو ماء المهبل.
والآخر: ماء يتدفق وهو يخرج مرة واحدة في الشهر من حويصلة جراف المبيض. وفائدة هذا الماء يحمل البويضة تماماً، كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية، حيث يدفع البويضة دفعاً رقيقًا، حتى تلتقي الحيوان المنوي الذي يلقحها في الثلث الوحشي من قناة الرحم.
حكم الواقي الذّكري في الشريعة
هذا من الناحية الشرعية لا إشكال في جوازه بحد ذاته. فيجوز للزوج إدخال آلته الذّكرية في الكيس المخصوص عند إرادته الجماع في أي وقت شاء. والدليل: إضافة إلى أصالة الحل والبراءة، تشمله أدلة جواز العزل. ولكن يُشكل من جهة أُخرى, وهي إدخال الجسم الغريب في مهبل المرأة من دون رضاها, فيقال بعدم جوازه للزوج, إذْ لم يثبت له مثل هذا الحق عليها, فلها الامتناع من التمكين له إذا أراد المقاربة, ولا يجوز له إجبارها, إلا إذا اشترط عليها في عقد النكاح أو في عقد آخر. وذلك لدليل السلطنة: الناس مسلطون على أموالهم وأبدانهم وأنفسهم، ببناء العقلاء الذي لم يثبت ردعه من قبل الشرع, فهو ممضي عنده. فلها المنع من إدخال جسم غريب في جسمها من قبل الزوج. لذلك اشترط بعض الفقهاء في استعمال الواقي الذّكري إذنها, وهذه نص فتواه: هل يجوز للزوج استعمال العازل الطبي عند الجماع ؟
الجواب: نعم، ولكن لا بُدَّ من أخذه موافقتها على ذلك.(27 )
حكم تأخير الزواج في الإسلام
إنّ الزواج في الشرع الإسلامي بحد ذاته وبعنوانه الأولي مستحب وفقاً للكتاب والسنة المستفيضة، أو المتواترة. أما الكتاب منها: قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ (28 ).
أما السنة. منها: عن أبي جعفر ? قال: قال رسول الله ?: ما بُني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج.( 29) ومنها: عن النبي ? قال: ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره.(30 )
ومنها: عن أبي عبدالله ? قال: قال رسول الله ? : أراذل موتاكم العزاب.( 31) وغيرها من الروايات الكثيرة. وقد يكون التزويج واجباً في بعض الأحيان، كما في حال الخوف من الوقوع في المحرم بدونه, مع القدرة على الزواج. أو ظن الضرر بالترك لوجوب دفع الضرر المظنون. أو اختلال النظام. (كما ورد في فتاوى الأعلام ? منها: يجب الزواج على من لا يستطيع التمالك على نفسه عن الوقوع في الحرام بسبب عدم زواجه)(32 ) وقد يكون محرّماً كما إذا أفضى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب, أو ترك حقًّا من الحقوق الواجبة, أو مكروهاً كما إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه.(33 )
بعد هذا البيان يتضح الجواب فيما لو ترك الزواج لأجل تحديد النسل, فهو جائز إلا أن تعرض عليه أحد الأمور المتقدمة, فيكون خاضعاً للتفصيل المتقدم.
جواب عن سؤال:
وأما ما جاء في الكتاب العزيز في مدح نبي الله يحيى ? على أنه حصور. والمراد بالحصور كما في اللغة: هو الذي لا يشتهي النساء. أو هو المبالغ في حصر النفس عن الشهوات والملاهي مع القدرة عليها. أو الحصور الذي لم يتزوج. فكل هذه التعاريف تشير إلى معنىً واحد(34 )، هو كبت النفس عن الغريزة الجنسية مع التمكن منها:
فكيف مدح الله نبيه يحيى ? في رفضه للزواج بقوله: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ( 35) ، مع أن الزواج في الإسلام ممدوح، وتركه مع القدرة عليه مذموم.
فالجواب عليه: إنّ الآية لا تدل إلا على حسن هذه الصفة، لما فيها من المصالح والتخلص عما يترتب عليه، ولا دليل فيها على رجحان هذه الصفة على صفة أخرى، فإن من مدح زيداً بكونه صائم النهار، قائم الليل لا يدل على رجحان هاتين الصفتين على الإفطار في النهار وترك التهجد في الليل، للاشتغال بما هو أهم منها كطلب العلم مثلاً.
أما ما أجيب عنه بأنه (مدح يحيى بذلك) مختص بشرعه فلا يأتي بشرعنا.
وفيه: المدح في كتابنا مطلق فلا توجد دلالة على اختصاصه بشرعه. وعلى تقدير أنه نقله عن شرعه ففي تعديته إلى شرعنا مع نقل القرآن له وعدم الإشارة إلى نسخه دليل على ثبوته. وأما القول إنّ شرعنا ناسخ لما قبله من الشرائع يفيد نسخ المجموع من حيث هو مجموع، أما الأفراد فلا؛ للقطع ببقاء كثير منها في شرعنا كأكل الطيبات، ونكاح الحلائل و غيرها.
حكم ترك الجماع في الشريعة
الجماع مستحب في ذاته، وهناك نصوص تؤكد ذلك. منها ما ورد: أن رسول الله ? قال لرجل من أصحابه يوم الجمعة هل صمت اليوم؟ قال: لا، قال له: فهل تصدقت اليوم بشيء؟ قال: لا، قال له: قم وأصب من أهلك فإنه منك صدقة.( 36) وغيرها من الروايات الكثيرة. فنلاحظ أن النبي ? قرن فعل الجماع بالأفعال العبادية المستحبة. وهناك أيام يتأكد فيها استحباب الجماع منها: ليلة الإثنين وليلة الثلاثاء وليلة الخميس ويومه وليلة الجمعة ويومها وأيام التشريق وغيرها. نعم، ربما يكون مكروهًا في بعض الأحوال والأزمان كما ورد تفصيل ذلك في جملة من النصوص منها: عن الإمام الصادق ? ثلاثة يهدمن البدن وربما قتلن: دخول الحمام على البطنة والغشيان على الامتلاء ونكاح العجائز.( 37) كما يُكره بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس, وفي أول ليلة من كل شهر إلا في شهر رمضان, وعقيب الاحتلام قبل الغسل, وللعريان... وقد فصل الفقهاء? ذلك في الرسائل العملية فراجع.( 38) وقد يكون الجماع محرّماً: كما في المحرم والصائم والزنا وغيرها. كما قد يكون واجباً، من حيث أنه يحرم ترك وطء الزوجة الشابة أكثر من أربعة أشهر. كما يدل عليه خبر صفوان بن يحي عن أبي الحسن الرضا ? أنه سأله، تكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها؟ قال ?: إذا تركها أربعة أشهر كان آثمًا بعد ذلك. ( 39)
وقد ذكر الفقهاء ? هذا الحكم في رسائلهم العملية منها: لا يجوز ترك وطءالزوجة أكثر من أربعة أشهر إلا بإذنها، حتى المنقطعة على الأقوى. أما الشائبة فعلى الأحوط. ويختص الحكم بصورة عدم العذر.( 40) نستخلص من كل ذلك أن حكم ترك الجماع تجنباً حصول الأولاد هو جائز في الجملة.
حكم الإرضاع في الإسلام
يجب على الأم إرضاع الابن اللباء.( 41) وكذا لو اُشترط عليها في حال العقد, أو لم يكن طريق آخر لتقويم حياة الطفل غير الرضاعة. وفي غير هذه الثلاثة يستحب, وهي أحق بالحضانة، ولا يجوز أخذ الطفل منها جبراً, ومدتها حولين.( 42) وعليه لو قامت المرأة بالأرضاع تجنباً الحمل, كما تقدم من أنه أحد الطرق المانعة للحمل غالباً فلا إشكال في جوازه بحد ذاته.
حكم فترة الأمان
تقدم في بيان طريقة فترة الأمان من أنها: تجنب الجماع زمن الإخصاب, فلا إشكال في جوازها بعدما عرفت حكم ترك الجماع، ولواحدة أشهر من دون ضرورة.
حكم التعقيم في الإسلام
عند المذاهب الأربعة:
اختلفوا في جواز العقم المؤقت فذهب الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية إلى جوازه، بينما المالكية وبعض الشافعية ذهبوا إلى تحريمه. أما التعقيم الدائم فقد اتفقوا على تحريمه بدون استثناء.(43 )
إلا أنه في العصر الحديث صدرت عندهم فتاوى عديدة أجمعت كلها على الحرمة ما لم تكن هناك ضرورة شرعية معتبرة يقررها أطباء ثقات، منها فتوى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة التي عقدت في الكويت 10- 15 ديسمبر 1988م وجاء فيها (يحرم على الرجل والمرأة استئصال القدرة على الإنجاب وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ما لم تدل إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية).( 44)
عند الشيعة الإمامية:
اختلفوا في جواز وحرمة التعقيم الدائم, دون المؤقت، فالجواز في التعقيم المؤقت مسلم عندهم. إنما الكلام في التعقيم الدائم فهم على قولين.
القول الأول:
ذهب المشهور إلى تحريمه، أي التعقيم الدائم, وذلك لكونه مصداقاً من مصاديق الإضرار, فتشمله قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، حيث إنها تشمل الضرر البدني والنفسي والمالي، ولا تختص بمورد دون آخر.(45 ) لذا صدرت الفتاوى بالتحريم بهذا العنوان ( يحرم تناول كل ما يضر بالبدن سواء كان موجباً للهلاك، كشرب السموم القاتلة أو ما يكون سبباً للمرض وتعطيل بعض الحواس الظاهرة أو الباطنة أو لفقد بعض القوى كأدوية إزالة القدرة الجنسية وأدوية العقم) ( 46) وحيث إن العقم الدائم يوجب نقصاً في البدن، والنقص ضرر، والإضرار بالبدن كالإضرار بالغير محرم.
أومن باب حرمة تصرف الإنسان في البدن بما ينافيه؛ لعدم مالكيته له على نحو الإطلاق, وإنما بما أجاز له الشارع ذلك، فما لم يرد نص على الجواز فمحكوم بحرمة التصرف. وسيأتي الكلام عنه مفصلاً إن شاء الله في حكم طريقة استئصال القدرة الجنسية لتقاربهما في البحث, والنتيجة, بلحاظ أن الاثنين فيهما تصرفاً بالبدن فترقب إلى حين.
القول الثاني :
إنّ البعض ناقش في دليل الإضرار، وتوصل إلى جواز العقم، فيما إذا كان عن داعٍ عقلائي، كما إذا كان لها لإحداهما، أو لهما غرض أهم عندهما من مسالة توليد النسل الكثير، فلا يعد ضرراً لتقديم الأهم على المهم مثل: أن يكون الزوجان ممن يحملان السلاح ويقومان في صف الحرب النظامي أمام أعداء الإسلام والمسلمين، ولا سيما إذا كان بعد تولد عدد من الأولاد، ثم ينهي به القول: إن القول بحرمة عملية التعقيم الدائم من باب حرمة الإضرار بالنفس مخدوش صغروياً وكبروياً.(47 )
هذا بالإضافة إلى أن بعض الأعلام الكبار أفتوا بجواز التعقيم الدائم من دون ملاحظة الداعي، كما جاء في نص فتواهم: (هل يجوز للمرأة أن تجري عملية جراحية لقطع النسل بحيث لا تنجب أبداً ؟ فيه إشكال، وإن كان لا يبعد جوازه فيما إذا لم يستلزم ضرراً بليغاً بها، ومنه قطع بعض الأعضاء كالمبيض(إلى أن يقول) ونظير هذا الكلام يجري في الرجل أيضًا.(48 )
ومنها (هل يجوز للمرأة أو الرجل من تعقيم نفسيهما بحيث لا يتمكنان بعد ذلك من الإنجاب أبداً ؟ الجواب: لا بأس بذلك إذا لم يُعد جناية على النفس كما إذا كان لهما أولاد متعددون)(49)
حكم استئصال القدرة الجنسية في الإسلام
ترجع مسألة استئصال القدرة الجنسية (الإخصاء وما بحكمه الوجاء أو الجب, أو العنن) إلى كبرى مسألة جواز ملكية الإنسان لأعضائه أم عدمها, أو هل له التصرف فيها أو لا, وإذا كان له التصرف هل هو بشكل مطلق أم محدود.(50 )
ولتوضيح المسألة نحتاج شيئاً من التفصيل.
بيان معنى الحق والملكية
قبل التعرف إلى ملكية الإنسان لجسمه أو عدم ملكيته له, يقتضي فهماً لطبيعة الحقوق التي أقرّها الإسلام؛ لأن حق الملكية واحد من تلك الحقوق, فالسلطنة على المال تعني حق الملكية له, وهكذا تكون باقي الحقوق. ومنها ما يرسم علاقة الإنسان بربه سبحانه وهي التي تدعى حق الله سبحانه. ومنها ما يؤدي وضيفة اجتماعية وهي التي تدعى حق المجتمع. وإن من تلك الحدود ما يحدد سلطنة الإنسان على الأشياء وهي التي تعرف بحقوق العبد. وإن منها ما يشترك فيه حق الله وحق العبد.
والحق في اللغة: يحمل معني الثبوت. والوجوب.( 51) أما عند الفقهاء: هو اختصاص يقرّ به الشرع سلطة أو تكليفاً من مال أو عبيد. أو هو: احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به.(52 )
أما الملكية: فهي قدرة يثبتها الشارع ابتداءً على التصرف في المحل شرعاً. بتعبير آخر: هي علاقة اجتماعية اعتبارية بين شخص أو مجموعة أشخاص وبين شيء ما تدل على تصرف المالك بملكه وتعطيه الحق في منع الآخرين من لتصرف به.( 53) وهذه الشرعية نسبية ومتغيرة وتتفاوت في الأنظمة الاجتماعية المختلفة, وليست الملكية مسألة عينية فيزيائية, بل هي مسألة عينية اجتماعية. والمراد بالعينية الفيزيائية: هي كون الشيء ذا حقيقة واقعية خارجية, وجود الشجرة على جانب الطريق مثلاً حقيقة فيزيائية وطبيعة خارجية, سواء كان هناك متصور في هذا العالم أولم يكن, فإن هذه المسألة حقيقة خارجية عينية، بخلاف الحقائق الاعتبارية التي تشكل عامة الحقائق الاجتماعية, عبارة عن أشياء ذات حقيقة واقعية، ولكن شريطة وجود من يعطيها الاعتبار, من وجود أصحاب أذهان في العالم. فالملكية من هذا النوع من الحقائق, فإذا قيل إن هذا الكتاب لفلان، فإن ذلك يكون حين يوجد اعتبار اجتماعي, من حيث إن الملكية مسألة اعتبارية تبرز في الحياة الاجتماعية, فلو كان في العالم إنسان واحد فقط لما توفرت له أرضية الفكرة التي تجعله يقول «إني أملك هذا الكتاب» ولكن حين يعيش الناس مع بعضهم تبرز بينهم مجموعة من الأمور المتفق عليها، وأحياناً الاتفاقات تحدث من ذاتها من دون اتفاق اجتماعي.
وقد يكون المالك شخصاً، أو مجموعة أشخاص. من قبيل أن هذا الكتاب يتعلق الآن بشخص معين، فهناك علاقة بين هذا الشخص وبين الكتاب، وهذه العلاقة ستتبدل بعد موت الشخص إلى علاقة جماعية, أي يصير ملكًا لمجموعة تتألف من الورثة.
ملكية الله للعالم
أما ملكية الله فإن منطق الفطرة يتقبل أنّ لخالق شيء ما حق التصرف فيه، وعلى هذا الأساس يُعدُّ الله مالكًا للعالم؛ لأنه هو الذي خلقه ومنحه الوجود.
بتعبير آخر: إن ملكية الله لجميع العالم مسألة مطابقة للمنطق الفطري ژ ھ ے ے ?? ?? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?ژ (54 ) وهناك آيات كثيرة في هذا المجال. فمصدر الملكية لله سبحانه وتعالى، مسألة حقيقة وليست مسالة تعاقدية، ولهذا فهي من الأمور الفطرية, فلو آمن شخص بالله معتبراً إياه خالق السماوات والأرض، فلن يشك بعد ذلك في اعتباره مالكاً، بيده جميع الصلاحيات، وله جميع أنواع حق التصرف، ولا حدود لملكيته تعالى للعالم, من حيث إن الله مصدر وجود جميع الأشياء، فإن ملكيته للعالم كله ملكية مطلقة.
فهذه حقيقة من الحقائق لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان, فإن الله سبحانه هو المالك المطلق لكل ما في الكون، أما ملكية الإنسان للأشياء فهي ملكية محدودة نسبية مقيدة بالإذن الشرعي أو بالأحرى مجازية.
فتحصل من كل ذلك أن أصل الملكية لله سبحانه. و العبد ليس له إلا التصرف الذي يرضي الله.
الحكم في كبرى المسألة:
بعد ما تبيَّن من توضيح الحق والملكية نأتي للإجابة عن كبرى المسألة قبل الحكم على صغراها, هل أعطى الشارع الإنسان هذه الصلاحية والسلطنة على التصرف في جسمه، ويكون بذلك مالكاً له كملكيته للمال والمتاع أو عدمها.
تعددت الآراء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال:
منهم من حرّم التصرف بأن يكون حق للإنسان في أعضاء بدنه. وذهب إلى عدم ملكيته لها (أي للأعضاء). ومنهم من جوز التصرف بأعضائه، كما له الحق بالتصرف بأمواله. ومنهم مَن أجازه بحدود.
أدلة القول الأول:
أوّلاً: الاستصحاب للأصل, إن الله هو مالك الملك فنشك هل أعطى هذه الصلاحية للإنسان أو لا، فنرجع إلى الأصل، وهو بقاؤها على ذمة مالكها الحقيقي،وهو الله. فلا يجوز التصرف من دون إحراز رضا المالك.
ثانياً: إن بدن الإنسان ليس بمال، وليس هو من ملحقاته، وإذا لم يكن مالاً لا يصلح لأن يكون مملوكاً، حيث إنه غير قابل للملكية البتة.
ثالثاً: لو كان مالكاً لأعضائه كملكه لمتاعه لأصبح جسمه مملوكاً للورثة بعد موته، ولهم أن يتصرفوا به ما شاءوا من بيع أعضائه، أو تشريحه وما إليها, وهذا ما لا يقول به أحد. نعم، هناك كلام إذا أوصى بأخذ بعض أعضائه بعد موته، فهو لا يدل على ملكيته من هذا لجانب, بل الفرض أن يُنظر له كما يُنظر إلى تركته. فتحصل أن ملكية جسم الإنسان هي حق من حقوق الله وحده، وجعله عند الإنسان بمثابة الأمانة التي يجب الحفاظ عليها، وعدم التصرف بها بما لا يرضي مالكها وهو الله سبحانه. كما ذكر البعض بقوله: إن ما يستفاد من مجموع الآيات والروايات أن الإنسان مسؤول عن بدنه، وهو أمانة في يده, بل يفهم من بعض الآيات أن البدن شاهد ورقيب على الإنسان.( 55)
اعتراضات على القول مع أجوبتها
الاعتراض الأول: إنّ الدية والقصاص قد توحي بملكية الإنسان لجسمه؛ لأن المجني عليه في سنّه أو في غيره من الأعضاء لو لم يكن يملك سنّه لما مكنته الجناية عليها من لقصاص أو الدية من الجاني. وما يقال في الجزء من الجسم يقال في الجسم كله.
الجواب: يجتمع في جسم الآدمي حقان حق الله وحق للعبد, فحق الله عز وجل يكون في استعمال البدن في طاعته ويسمى حق لاستعباد, أما حق العبد فيه فيكون بالانتفاع أو الاستمتاع بما لا يلحق به ضرراً. فلو أن مسلماً قتل مسلماً خطأً فهنا تدفع الدية إلى ورثة القتيل, وهذا لحق العبد في بدنه. كما يتوجب على القاتل الكفارة, وهذا حق الله في البدن؛ لأن القاتل عطّل بدن المقتول عن عبادة ربه، التي هي حق الله عزّوجلّ, ولذا اشتغلت ذمته بهذا الحق الإضافي تعويضاً لحق الله تعالى في المقتول.
والدية لم تشرّع أصلاً تعويضاً عن البدن، أو ثمناً له، وإنما شرّعت استئناساً لورثة القتيل وتعويضاً لهم عما فاتهم من منافع بدنه الذي كان أو يكون سبباً في تحصيل معاشهم وسدِّ عوزهم، بالإضافة إلى أنها درء للفساد وسفك الدماء.
فظهر مما تقدم أن القصاص في النفس وفي الأعضاء, وكذلك الدية فيهما لا يصلحان دليلاً أو حجة على ملكية الإنسان لجسده الذي لا يملكه إلا خالقه. وكل ما في الأمر أنَّ الرب عزّ وجلّ قد أذن بالإهدار لبعض ما يملك من الأنفس قصاصاً أوحدّاً من أجل تحقيق مصلحة أكبر، تتمثل في بقاء الأعم الصالح من الأنفس بذهاب الأخص الفاسد منها.
الاعتراض الثاني: إن كل حر مخوّل بإنشاء العقود وإجراء المعاملات المالية على العبيد بيعاً وشراءً وهبة وما سوى ذلك، من تصرفات تجعل العبد في عداد الأموال المنقولة, وهذا يدل على ملكية الإنسان لجسده، قياساً على ملكيته للعبيد الذين هم شركاؤه في الآدمية.
والجواب:
أولاً: إن الرقيّة عقوبة طارئة وحكم عارض، فلا يعمُّ على غيره, بحيث يقال كل إنسان يملك جسمه بناء على ذلك.
ثانياً: إن السيد لا يملك من العبد بدنه و إنما يملك منافعه، أو ماليته الطارئة عليه. ذلك يقول ابن عربي: إقرار العبد لا يخلو من قسمين: إما أن يقرّ على بدنه، أو على ما في يده وذمته, فإن إقراره على بدنه فيما فيه عقوبة من القتل فما دونه نفذ ذلك عليه. أما لو أقرّ بمال لم يقبل إقراره؛ لأن مال العبد للسيد فلو كان السيد يملك بدن العبد لما جاز أن يعاقب العبد في بدنه قد تؤدي بحياته وتذهب ببدنه. لأن في ذلك ضرراً لمالكه الذي لم تصدر عنه أي جناية.
أقول: إنّ هذا الأخير على مذهب القوم, ( بعكس ما ذهب إليه الإمامية ) مع أنهم اختلفوا فيه كما ورد عن النووي ( إن فقهاء الأمصار اختلفوا في إقرار العبد على نفسه موجب للحد وليس يوجب عليه غرماً. وذهب آخرون لا يجب إقرار العبد على نفسه بما يوجب قتله ولا قطع لكونه مالاً لمولاه )( 56)
الاعتراض الثالث: هناك بعض النصوص الشرعية نصت على قابلية الإنسان الحر للملكية, وأنه يباع ويشترى. منها: قوله تعالى: ژ ہ ہ ہ ھ ھ ژ (57 ).
الجواب:
إنّ إخوة يوسف قالوا للذين أخرجوه من البئر هذا غلام لنا آبق فاشتروه منّا, وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه, كما قيل أنهم هدّدوه بالقتل إن قال أنا أخوهم. وقيل معنى البخس حرام؛ لأن ثمن الحر حرام.( 58)
أدلة القول الثاني:
وهو إثبات جواز تصرف الإنسان بأعضائه ما لم يؤدي إلى الهلاك والمحرّم.
أولاً: قاعدة الناس مسلطون على أنفسهم وذواتهم, وذلك لسلطنته على جسده, وربما لتملكه إياه, حيث جعله بمثابة المتاع والمال؛ فإن عمدة دليل قاعدة – الناس مسلطون على أموالهم – هي السيرة بقسميها: سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة. أما السيرة العقلائية، فهي ثابتة قبل التشريع الإسلامي, ولا نحتمل حدوثها (أي السلطنة على المال) بعد عصر المعصوم, ولم يثبت الردع عنها.
وأما سيرة المتشرعة: فانعقادها أيضاً ثابت ومتصل في عصر المعصوم كما هو واضح, ولا نحتاج إلى فكرة الإمضاء والردع, كما هو في سيرة العقلاء. وهذا النحو من الدليل لا يقتصر على تسلط الإنسان بماله فقط وإنما يتعدى إلى جميع أنواع السلطنة بما فيها أعضاء بدنه, إلا ما خرج بالنص, فتكون السلطنة على المال مصداق تطبيقي من مصاديق السلطنة. وأما ما ورد في المرسلة عن النبي?أنها جاءت بخصوص السلطنة على المال قوله ?: >الناس مسلطون على أموالهم<(59 ) .
أوّلاً: ضعيفة السند؛ باعتبار أن الواسطة بين المنقول عنه وبين الإمام والنبي ? مجهولة, فعليه تسقط عن الاعتبار؛ لكونها مرسلة.(60 )
ثانياً: لو سلمنا صحتها فهي لا تنفي عدم تعدي السلطنة على جسد الإنسان, فإن العقلاء كانوا يتعاملون بهذه السلطنة في أموالهم، وكذلك في أجسادهم, فالتصرف بالجسد حاله حال التصرف بالمال. نعم، إذا كان فيه تصرفاً مخالفاً للعقلاء، أو للشرع فهو مذموم ومحرم. وأما إذا كان لأهداف عقلائية ولم يكن هنالك ضرراً بليغاً فلا ضير فيه شرعاً.
وهذه القاعدة > الناس مسلطون على أنفسهم< تبنّاها كثير من العلماء ورتبوا عليها آثاراً شرعية. كما ورد عن السيد الخميني ? إلى أن يقول «... فإن الناس لدى العقلاء مسلطون على أنفسهم كما أنهم مسلطون على أموالهم. بل في هذا العصر تعاريف بيع الشخص دمه وجسده للاختبارات الطبيّة بعد موته، وليس ذلك إلا لتسلطه على نفسه لدى العقلاء, فسلطنة الناس على أنفسهم عقلائية, فكما أن الإنسان مسلط على أمواله, مسلط على نفسه, فله التصرف فيها بأي نحو شاء لولا المنع القانوني لدى العقلاء والشرعي لدى المتشرعة.( 61)
من هنا نراه ? يجيز تغيير جنس المرأة بالرجل وبالعكس. حيث يقول:> الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل وبالعكس. وكذا لا يحرم العمل في الخنثى ليصير ملحقاً بأحد الجنسين<.(62 ) وقد ترقى بعض الأعلام هنا بقوله:> إذا فرضنا أن الناس مسلطون على أموالهم بحيث يكون لهم التصرف فيها إلا ما حرم الله وليس لغيرهم أن يتصرفوا في مال الغير إلا بإذنه فهم بطريق أولى مسلطون على أنفسهم وذواتهم فإن السلطنة على الذات قبل السلطنة على المال بحسب الرتبة, بل هي العلة والملاك لها حيث إن مال الإنسان محصول عمله وعملة نتيجة فكره وقواه فهو بملكه لذاته وفكره وقواه تكويناً يملك أمواله المنتجة منها والله تعالى خلق الإنسان مسلطاً على ذاته حرّاً مختاراً <(63 ) وعن آخر من الفقهاء يقول، بل سلطنة الإنسان على نفسه من أعلى مراتب السلطنة كيف و قد ورد (الناس مسلطون على أنفسهم) ولم يشكل أحد في معقولية ذلك.(64 )
والحاصل:
إنّ ما يدل على تسلط الإنسان على أمواله، بناء العقلاء، فهذا الدليل نفسه يدل على تسلطه على نفسه وأعضاء بدنه, حيث إن القاعدة عقلائية قبل أن تکون شرعية, ولم يزل بناء العقلاء عليها من قديم الزمان الي عصرنا هذا, ولا فرق فيها بين أرباب الملل الإلهية وغيرهم. کذلك في عقد النکاح وأشباهه, فإنه مسلط علي نفسه من هذهِ الناحية في کل أمر مشروع، وجميع ما يدل علي اشتراط الاختيار وعدم الإکراه والإجبار في أبواب النکاح وشبهها تدل علي عموم السلطنة. نعم، إن کان المراد تسلط الإنسان علي نفسه بأن يقتل نفسه من دون أي مبرر، أو القاؤها في التهلکة في غير ما هو أهم منه, بل إيراد نقص علي أعضائه يستلزم ضرر عظيم علي جسمه أو عقله فهو غير جائز، وهذا النوع من التسلط لم يثبت لأحد على نفسه. کما لا يجوز لأحد إتلاف ماله بغير مبرر ولا إحراقه ولا إفساده.
وإن تسلط الناس علي أنفسهم- بهذا العنوان- لم يرد في آية ولا رواية ولکن مفادها ومغزاها ثابتة بحسب بناء العقلاء.
فإذا ثبت تسلط الإنسان علي نفسه کما هو مسلط علي أمواله، فجاز له التصرف بأعضائه, مع مراعاة جوانب الضرر والهلاك.
نخلص من هذا القول أن الإنسان له السلطنة على أعضاء جسمه، وله حق التصرف بها ما لم يكن هنالك دليلٌ على الحرمة، هذا خلاصة الدليل الأول على القول الثاني من جواز تصرف الإنسان في أعضاء بدنه.
ثانياً: أصالة الإباحة: الأصل في الأشياء الإباحة، ما لم يرد في الشرع من يحرمه, فالتصرف بالأعضاء لم يرد دليل على حرمته, فنرجع للأصل: وهو إباحة التصرف بها, فيجوز بيع الأعضاء ونقلها، من قبيل الكلية والعين وغيرها، بشرط أن لا يولد ضرراً بليغاً بصاحبها.
اعتراضات على القول مع أجوبتها:
الاعتراض الأوّل:
إن أخذ العضو ظلم على النفس, ولا يجوز للإنسان أن يظلم نفسه، كما يستفاد من بعض الآيات منها قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ?ژ (65 ) ومنها قوله: ژ ڈ ڈ ژ ژ ڑڑ ک ک ژ (66 ) وغيرها من الآيات في هذا لشأن.
بالإضافة إلى قوله تعالي: ژ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ( 67) .
فإنّ الآية الکريمة أعطت لجوارح الإنسان من الحرمه ما أعطته لنفسه, فکما يحرم عليه إتلاف نفسه فکذلك يحرم عليه إتلاف عضو من أعضائه.
مع أن الأصل عصمة دم المسلم، وجميع أجزاء بدنه الثابتة فيه, فلا يجوز للإنسان أن يجني علي نفسه، وعلي عضو من أعضائه، إلا بحق ثابت شرعاً.
الجواب:
إن الظلم وغيره إنما يصدق إذا لم يكن هناك عوض, وغرض عقلائي في بذل العضو, وإلا فلا يصدق عنوان ظلم النفس. فهل ترى أن من بذل نفسه فضلاً عن أعضائه في الجهاد يُعدُّ ظلماً لنفسه؟! ولا فرق في العوض بين العوض الأخروي والتعويض الدنيوي.
الاعتراض الثاني :
إنّ في أخذ العضو أو التصرف فيه ليس هو إلاّ عبارة عن التغيير والتبديل في خلق الله، وهو مخالف لمضامين الشريعة، كما يستشعر من قوله تعالي: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ( 68).
وتقريبه: إن الإنسان عبارة عن خلق مرکب من أعضاء، أوجده الله في عالم الدنيا, فالتصرف بهذهِ الاعضاء من قبيل قلع العين, أو أخذ الکلية, أو الإخصاء وما إليه کلّه تبديل وتغيير لخلق الله, وهو مذموم ومبغوض عند المولي (عز اسمه)، کما اتضح من خلال الآية الکريمة.
الجواب:
أوّلاً: لا إطلاق للآية کي تشمل تصرف الإنسان بأعضائه. وإنما هي في مقام مذمة ما يدّعوه المشركون, وعداوة الشيطان وطغيانه, والاشارة إلى أقواله الناشئة عن الطغيان والأهواء. كما يشهد بذلك صدر الآية وذيلها، إلى أن حرمة التغييرات الناشئة من إغواء الشيطان، التي تؤدي إلي إخلال الفطرة التوحيدية من الشرك.
ثانياً: إن مطلق التغييرات في التکوينيات لو کان محرّماً لزم تخصيص الأکثر، وهو مستهجن, ولا يشك أحد في هذه التغييرات التي تجري في معظم مركبات الكون والحال جارٍ على التغيّر والتجدد.
القول الثالث: التفصيل
هناك بعض الأعلام من قيّد هذه السلطنة والتصرف في الأمور غير المهمة والرئيسة, كما يُستفاد من جواب السيد الخوئي ? في المقام. هل يجوز قطع عضو من أعضاء إنسان حيّ للترقيع إذا رضي به؟
أجاب بأنّه: فيه تفصيل، فإن كان من الأعضاء الرئيسية للبدن كالعين واليد والرجل وما شاكلها لم يجز، وأما إذا كان من قبل قطعة جلد أو لحم فلا بأس به.( 69)
إلاّ أنه أفتى في مكان آخر في جواز التصرف في الأعضاء الرئيسة أيضاً عند الحاجة، عندما سئل بـ: >هل يجوز للإنسان أن يتبرع بكليته لزرعها لشخص آخر تلفت كليتاه لإنقاذ حياته مع العلم أن الإنسان يستطيع أن يعيش بكلية واحدة وكذلك هل يجوز أن يتبرع أحد الوالدين للولد بعينه أو بغيرها من الأعضاء التي لا يضر فقدامها بالحياة... الخ؟ الجواب: لا يبعد جواز ذلك كما لا يبعد أخذ العوضين لا بعنوان البيع بل بعنوان الهدية المعوضة <(70 ) :
بعد هذا البيان المختصر في كبرى المسالة، هلمّ معاً نسلط البحث على صغراها في المقام، من أن استئصال القدرة الجنسية بأقسامها ( الإخصاء, والوجاء, والجب, والعنن) تصرف في البدن لا محال.
الحكم في صغرى المسألة:
لقد ظهر مما تقدم أنّ مسألة استئصال القدرة الجنسية ترجع إلى كبرى جواز التصرف في البدن أو عدمه، وقد رأينا كيف اختلف المسلمون على ثلاثة أقوال, أما هنا فهم على قولين.
القول الأوّل: عدم الجواز
فأمّا علماء العامة:
فقد ذهبوا إلى أن استئصال القدرة الجنسية عملٌ محرّمٌ؛ لأنّه أولاً: تغيير لخلق الله, ولهم في هذا الباب روايات عن النبي ? تنهى عن الإخصاء، الذي هو مصداق جلي م0ن مصاديق استئصال القدرة الجنسية, مع إمكان دخول باقي المصاديق في حكمه, فالمناط والمؤدى واحد.
منها: خبر ابن مسعود کنا نغزوا مع النبي ? وليس لنا نساء فقلنا يارسول الله ألا نستخصي فنهانا عن ذلك, ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب.(71 )
ومنها: شکي رجل إلي رسول الله ? العزوبة فقال: ألا أختصي ؟ فقال له النبي :? ليس منّا من خصي واختصي.(72 )
ومنها: خبر عبدالله بن جابر عن عثمان بن مضغون قال: فإني أردت يارسول الله أن أختصي قال: لا تقل يا عثمان، فإن اختصاء أمتي الصيام.( 73)
وقال علماء القوم منهم القرطبي في الخصاء > إن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز لأنه مثلة وتغيير لخلق الله<.(74 ) وعن الشيخ محمد الأمين: ( أما خصاء بني آدم فهو حرام إجماعاً؛ لأنه مثلة وتعذيب وقطع عضو وقطع نسل من غير موجب شرعي.(75 )
أمّا الشيعة الإمامية:
فقد ذهب المشهور منهم إلى حرمة استئصال القدرة الجنسية؛ لدخوله تحت قاعدة الضرر، حيث فيه قطع عضو وإعدام قوى تناسلية لا يمكن إعادتها, ولحوق آثار سلبية وخيمة. وأيضاً فيه تغيير لخلق الله، كما ذكره صاحب الميزان في تفسير قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ژ قال: ينطبق على مثل الخصاء وأنواع المثلة.(76 )
وعن أبي عبدالله ? قال: إذا قتل الرجل عبده أدبه السلطان أدباً بليغاً ( إلى أن قال) فإن مثّل به عوقب به وعتق العبد عليه. قال صاحب مستدرك الوسائل: وله وجه لإخراج الخصي بعد النص عليه بالخصوص ودخوله في عموم التمثيل، كما صرّح به صاحب الجواهر.(77 )
وهناك روايات بالإضافة إلى روايات القوم الواردة عن النبي ? الناهية عن الإخصاء. هي ما ورد عن الجعفريات بإسناده عن علي ? قال: ليس في الإسلام خصاء.(78 )
ومع أنّه حتى الذي ذهب إلى جواز التعقيم الدائم حرّم الإخصاء، لما فيه من قطع أعضاء وما شاكلها، كما جاء من نص الفتوى> يجوز استخدام كل أنواع الموانع في حدّ ذاته ما لم يستلزم قطع عضو أو شلله<( 79) مع أن الاختصاء غير التعقيم بالأسلوب الحديث الذي نبحث عن حكمه, فالاستدلال بتلك الروايات على تحريم التعقيم غير موجه؛ لأن الاختصاء يؤدي إلى الحرمان من التزويج رأساً، وإلى التشويه في البدن غالباً، وإلى عُقد روحيّة تضرّ بسلامته, أما التعقيم فإنه لا يضرّ بالباه ولا ينتهي إلى شيء من تلك الإضرار الجسمية والروحية والاجتماعية.
القول الثاني: الجواز
ذهب أصحاب هذا القول إلى جواز استئصال القدرة الجنسية بالأدلة التالية:
أوّلاً: قاعدة >الناس مسلطون على أنفسهم< لا سيّما إذا كانت هناك ثمة أهداف عقلائية. فمما يدل على ذلك جواز التصرف في البدن, بما فيه غرض عقلائي ما لم يدل دليل على المنع. وقد تقدم توضيحه في بيان كبرى المسألة.
ثانياً: عدم النهي من قبل الشريعة, لا سيّما وأن الخصاء سابقاً كان يأخذ طابعاً عملياً من إخصاء الغلمان وما شاكله, فلو كان محرماً لبان بشكلٍ جلي ووصلت إلينا روايات في رفض هذا العمل مورثة لليقين, أو الظن المعتبر على أقل تقدير.
أما ما ورد عن النبي ? كرواية عثمان بن مظعون (لا تفعل فإن اختصاء أمتي الصيام). الظاهر مضافاً إلى ضعف سندها، أن النهي ليس للتحريم، بل إرشاد إلى ما كان يبتغيه عثمان من التقرب بإطفاء الشهوة, فبيَّن له الطريقة المشروعة والعبادة المطلوبة. وبتعبير آخر إنّ اختصاء الغلمان كان أمراً متعارفاً, وربما تزيد القيمة بسببه, ولو كان محرّماً لنُبه عليه في الأخبار.(80 )
وعليه يمكن أن نقول أن الإخصاء الوارد في الأحاديث الشريفة له معنيان:
الأول: إن الفكرة الأساسي وراء الاختصاء هي عدم الزواج. بتعبير أنسب: إزالة الحاجة إلى الزواج. فعليه أن الاختصاء بهذا المعنى هو إتباع طريقة الرياضة، واجتناب لذائذ الحياة الدنيوية, واعتزال النساء، وتربية النفس بكبت شهوتها الطبيعية. وقد سمي هذا الاختصاء تبتلاً أو ترهباً. والنبي ? نهى عنه في عدة روايات. منهما عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى رسول الله ? فقالت يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل فخرج رسول الله ? مغضبًا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان وجده يصلي فانصرف عثمان حين رأى رسول الله فقال له: >يا عثمان لم يرسلْني الله تعالى بالرهبانية ولكن بعثني بالحنفية السهلة السمحة أصوم وأصلي والمس أهلي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح<.( 81)
أما الاختصاء بالمعنى الثاني: هو سل الخصيتين، أو تخريب أعضاء التناسل التي تولد النطف. والفرق أنه يمكن أن يترك الإنسان طريقة الرياضة ويرجع إلى حالته الطبيعية, ولكن لا يمكن أن يُعيد خصيته إن كان قد قطعها أو خربها. والنهي الوارد هنا عن الإخصاء غير واضح لأحد المعنيين. فتحصل أن الروايات الواردة عن النبي ? في الخصاء والاختصاء هي إما إرشادية أو يمكن أن تكون ناظرة إلى معنى التبتل والرهبنة.
ثالثاً: معتبرة يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبدالله ? عن الإخصاء فلم يجبني فسألت أبا الحسن ? قال: لا بأس به.( 82)
وقد حملها صاحب الوسائل والبحار على إخصاء الدواب, ولكن ظاهر الرواية الإطلاق كما قال به البعض.( 83)
رابعاً: أصالة الإباحة: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد في الشرع من يحرمه, فالتصرف بالأعضاء لم يرد دليل على حرمته, فنرجع للأصل وهو إباحة التصرف بها. وعليه يجوز إخصاء نفسه أو ما بحكمه من التصرفات لا سيّما العقلائية.
هذا خلاصة ما توصلنا إليه في حكم مسألة استئصال القدرة الجنسية. ولا يخفي أنها من أيتام المسائل في الفقه الإسلامي, فلم تُعنَ بالبحث والتحقيق على وجه الخصوص لا قديماً ولا حديثاً.
حكم اللولب في الشريعة
اُُختلف في كيفية منع اللولب للحمل, ولا ريب أن الحكم الشرعي يختلف باختلاف الموضوع في مثل هذه المسائل, فقد قيل إنه (اللولب) يمنع انغراس البويضة الملقحة في جدار الرحم, حيث إن وظيفة اللولب منع علوق الكرة الجرثومية التي تتكون من- النطفة الأمشاج-.( 84) فعلى هذا يستشكل الجواز ويكون من عوامل الإجهاض (الذي يسمى بالإجهاض المبكر) الذي هو من الوسائل العلاجية؛ لأنه في هذه الحالة يكون مبدأ نشوء إنسان, وقد نص الشرع على حرمة قتله. ففي معتبرة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الإمام الكاظم ?: المرأة تخاف الحَبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال ?: لا، فقلت: إنما هو نطفة فقال ?: إن أول ما يخلق نطفة( 85).
وعليه علق الفقهاء الحكم بالجواز إذا لم يكن سبباً في إتلاف النطفة بعد انعقادها كما هو نص فتواه >إذا كان اللولب يمنع من انعقاد النطفة جاز وضعه ولا يجوز على الأحوط إذا كان يتلف النطفة بعد انعقادها<( 86). والمراد بالانعقاد عند بعض العلماء؛ هو العلوق بالرحم, ليس مجرد الإخصاب( 87).
أما على القول الثاني أن اللولب يمنع تلقيح البويضة، ولا يمنع التصاق البويضة الملقحة بالرحم، فهنا يجوز وبالتالي فهو ليس من عوامل الإجهاض.
والدليل:
عملاً بأصالة البراءة. نعم، يحرم بلحاظ العارض لا بلحاظ ذات الشيء؛ وهو من قبيل نظر الأجنبي، أو الأجنبية إلى العورة ومسها, أو نظر الأجنبي إلى بدن المرأة، إلا أن يكون منع الحمل هنا واجباً شرعياً؛ لضرر على صحة المرأة، أو حياتها فلا مانع من ذلك؛ حيث ان المحظورات ترتفع بوجود الضرورات.
لكن بعض العلماء ناقش في الدليل, حيث يقول: إن أهل الخبرة لا يجتمعون على رأي واحد، فإن المنقول من بعضهم أنه يقتل النطفة بعد استقرارها في جدار الرحم. ومن آخر إنه يمنع من استقرارها فيه ويتلفه قبل ذلك. فتكون الشبهة موضوعية ومقتضى القاعدة فيها وإن كان أصالة البراءة, ولكن مع هذا فالاحتياط لا يترك وجوباً ما لم تكن هناك ضرورة.(88 )
كيف يتم التلقيح
تقول الأبحاث الحديثة إن الحيوان المنوي والبويضة يحتاجان لبضع ساعات حتى يكسبا القدرة على التلاقح والتزاوج, وتحدث في هذه السويعات تغيّرات فيسيولوجية وتشريحية, وتعرف هذه التغيّرات باسم التمكين والتكثيف؛ أي تمكين الحيوان المنوي وتكثيف قدرته على التلقيح.هذا بعد ما يلج الحيوان المنوي برأسه المدبب المصفح, من الكوة الصغيرة في جدار البويضة, فهو كما وصفه المختصون صغير الحجم يشبه القذيفة الصاروخية، وله رأس مصفح مدبب، وله ذيل طويل يساعده على السباحة في بحر المني، وهو سريع الحركة شديد البأس. بخلاف البويضة فهي تمشي ببطء واستحياء، تدفعها الأهداب الرقيقة في قناة الرحم دفعاً رقيقاً, وهناك تقف في الثلث الأخير من القناة تنتظر شريك حياتها ومهجت فؤادها بكل لهفة واشتياق، فإذا ما قدم هشَّت له وبشَّت وسمحت له بالولوج. من هنا نعرف كيف أن الله جعل فرقاً بين الذكر والأُنثى بالوظيفة والتركيبة الجسدية الطبيعية. فالحيوان المنوي (الذكر) يمتاز بالصلابة والبأس فهو للجهاد والجلّاد, والبويضة (الأُنثى) تمتاز بالأناقة والرقة, وصدق الله حيث يقول: ژ ? ? ?ژ فالكل وظيفته المنوطة به.(89 )
جواب عن سؤال:
وربما يسأل القارئ ولو فضولاً أو حبّاً للاطلاع، عن الحكمة الإلهية التي جعلت للخصية أن تفرز ملايين الحيوانات المنوية بالدفعة الواحدة، وهذا مستمر حتى سن الشيخوخة, بينما نرى أن المرأة لا تفرز إلا بويضة واحدة في الشهر، منذ البلوغ إلى سن اليأس، فيكون مجموع البويضات التناسلية التي يفرزها المبيض طوال حياة المرأة لا يزيد عن خمسمائة بويضة. وتقول الأبحاث الطبية: أن مقابل كل بويضة يفرزها المبيض فإن الخصية تفرز بليون حيوان منوي على الأقل. فما هو السبب يا ترى في كثرة الحيوانات المنوية وندرة عدد البويضات ؟ والجواب على هذا التساؤل هو: هلاك أكثر الحيوانات المنوية قبل الوصول إلى البويضة. وذلك أن ما يقرب من (20) بالمائة من هذه الحيوانات المنوية ينزل وهو غير صالح للتلقيح ابتداءً, كما أن نسبة أُخرى تبلغ (20) بالمائة أيضاً تموت في خلال ساعتين بعد نزولها من الإحليل (القضيب), أما الباقي من الحيوانات المنوية فتحتاج إلى فترة زمنية ما يقارب (6) ساعات على الأقل لتقطع رحلتها من المهبل إلى الرحم، حتى تصل البويضة في قناة الرحم, وهي التي تقطعها الحيوانات المنوية القوية السريعة الحركة, وغالباً ما تكون الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة, أما الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الأنوثة فهي الأبطأ عادةً وقد تحتاج إلى ما بين 12 - 24 ساعة لتقطع هذه الرحلة, ففي أثناء الرحلة يهلك عدد منها. وكذلك يموت عدد كبير آخر من الحيوانات المنوية نتيجةً للإفراز الحامضي الموجود في المهبل. كما يموت عدد آخر عند عنق الرحم. وبما أن هناك قناتين للرحم والحيوانات المنوية لا تعلم في أيهما البويضة، فان عدداً كبيرًا سيلقي حتفه عندما يذهب إلى قناة الرحم التي لا توجد بها البويضة, مع أن وصول الحيوانات المنوية لا بُدَّ أن يتزامن مع خروج البويضة من المبيض, وإلا فالموت هو المصير المحتوم, أما الذي يصل إلى البويضة لا يزيد في النهاية عن خمسمائة حيوان منوي فقط. ولا بُدَّ من تحلل أجساد هذه الحيوانات حتى تذيب جدار البويضة السميك، لتسمح لواحد منهم فقط بالولوج ليتحد مع البويضة مكوناً النطفة الأمشاج. لذا تلاحظ البويضة هي الأُخرى كالقمر في ليلة البدر وحولها المئات من الحيوانات المنوية يقتتلون على جدارها، ولا تختار إلا الذي اختارته لها يد القدرة. ثم تموت كل الحيوانات المنوية الذي لم يحالفهم الحظ بالزواج من البيضة على جدارها, وتتحلل أجسادهم ليفتحوا الطريق إلى زميلهم العريس، كي يلج ويصل إلى مقره ومثواه.( 90) من هنا تعرف مدى الحكمة الإلهية في جعل الحيوانات المنوية بمئات الملائين.
سؤال وجواب:
يجد القارئ عند مطالعة الكتب التي تعتني في تركيبة الإنسان، لاسيما الكتب المختصة في علم الأجنة وما شاكلها, من أن البويضة التي تحتويها المرأة هي أكبر خلية في جسم الإنسان، حيث تبلغ في قطرها (200) ميكرون, بينما الحيوان المنوي لا يزيد عن خمسة ميكرونات (لكن مع هذا المستوى من صغر الحيوان المنوي فإنه يساهم بنصف مكونات الجنين تماماً كما تساهم البويضة)، فما هو السبب في كبر حجم البويضة, وصغر حجم الحيوان المنوي ؟
والجواب
إنّ البويضة هي المسؤولة عن تغذية النطفة الأمشاج، المكونة من (كروموسمات) الحيوان المنوي (الأب) و(كروموسمات) البويضة (الأم), وعليها أن تقوم بالتغذية حتى تعلق النطفة، وتنشب في جدار الرحم لتصبح العلقة, فتعطيه من دمائها وتوفر له الغذاء والهواء والحماية من السموم التي يفرزها جسمه أثناء نموه, حتى يأذن الله بخروجه متكامل البناء سويَّ الأعضاء.(91 )
فمن هنا نفهم أن دور الأُم في التغذية والرعاية يبدأ من أول لحظة دخول النطفة في الحياة, فلا غرور أن جعل لها الإسلام مكانة عظيمة، وأعطاها المقام الأول في البر والصلة والطاعة وقدمها على الأب ثلاثاً, وجعل الجنة تحت أقدامها.
حكم تناول حبوب منع الحمل في الشريعة
هو الجواز سواء كان بعذر أو بدون عذر, ولا فرق في جواز تناوله بين الزوج والزوجة. والدليل: أصالة الحلية وأصالة البراءة. اللهم إلا يلزم منه ضرر مهمّاً, أو يمنع الحمل أبداً ليس مؤقتاً, فلا يجوز تناوله حينئذ من هذه الجهة. (وقد تقدم الكلام والخلاف في الاستثناء الأخير) وقد صرّح الفقهاء ? في جوازه بهذه القيود. منها: >نعم يجوز للمرأة أن تأخذ حبوب منع الحمل مؤقتاً ولو مع عدم رضا الزوج, وأما أن تعمل عملاً يسبب عدم الإنجاب إطلاقاً فهو أمر غير مشروع<.(92 )
حكم التحقين وموانع الحمل الكيمياوية
وأما حكم الشريعة في طريقة التحقين أو الموانع الكيمياوية, لا إشكال فيها شرعاً ما لم يكن ضرراً بليغاً, كما تقدم في حكم تناول الحبوب.وقد جاء ذلك في فتاوى العلماء ? منها: >استعمال الإبر والحبوب واللولب يتم أثناء العادة الشهرية قبل تكوين البويضة... لكن قد تكون هناك نسبة ضئيلة جداً في تكوين البويضة المخصبة في الحالات الثلاث ( الإبرة, والحبوب, واللولب ) فما حكم استعمال تلك الطرق؟ الجواب: يجوز استعمالها إلا إذا علم أنها توجب إجهاض البويضة بعد انعقادها فالأحوط وجوباً حينئذٍ تركه<.
وعن الموانع الكيماوية: >يوجد أنواع تحتوي على مواد قاتلة للنطف المنويّة هل يجوز استخدامها؟ الجواب: يجوز استخدام كل ذلك<.( 93)
حكم الإجهاض في الشريعة الإسلامية
قبل أن ندخل في صلب موضوع حكم الإجهاض من وجهه نظر الإسلام, ينبغي أن نقف عند بيان تحديد زمان نفخ الروح في الجنين؛ حيث إن له الأثر الكبير في كيفية استنباط الحكم الشرعي وما يؤول إليه من الحرمة والجواز, مع أنّه من المسائل الشائكة التي يصعب تمييزها؛ من حيث إنه أمر معنوي لا يخضع إلى آليات الحس والتجربة, لكن حاول العلماء أن يصلوا إلى نتيجة ما, ولو على سبيل التقريب في تحديد زمان نفخ الروح، ولهم في هذا المجال كلام طويل وتفصيل واسع نقتصر على زبدة مخاضه.
تحديد زمان نفخ الروح من الوجهة الطبية
اختلف الأطباء في المراحل التي يتكون بها الجنين، والتي تعطي له سمة الحياة الإنسانية بعد الحياة النباتية, بعد ما فرقوا بين الحياة والروح, وذهبت شريحة كبيرة من العلماء والأطباء من أن الروح: عبارة عن الإرادة والاختيار, أما الحياة تصدق على غير ذلك.(94 ) كما في النبات فإنه كائن حي فيه قوة نامية, لذلك يقال نبات حي، كما في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ (95 )، فالنبات كائن حي يتغذى ويتنفس وينمو ويتكاثر لكنه لا إرادة له ولا اختيار، أي لا روح فيه كما في الإنسان والحيوان، والجنين قبل نفخ الروح كما أثبته الطب الحديث: أنّه كائن حي يتغذى وينمو منذ التلقيح ثم يرقى إلى أن تنفخ فيه الروح.
من هنا حدث الاختلاف بين علماء الطب، فمنهم من ذهب إلى أن الروح تنفخ في الجنين في نهاية الأربعين يوماً الأولى بعد التلقيح, نظراً إلى تكوين الأعضاء الأساس وجذع الدماغ عند بلوغ الأربعين يوماً, حيث إن الدماغ هو الذي تظهر به صفات الإنسانية من القدرة على التفكير والإرادة, مع أن موت الدماغ يعني موت الحياة الإنسانية. فيحسن بنا أن نذكر لمحة موجزة هنا عن تكون الجهاز العصبي عند الإنسان؛ لأن معرفة وقت نفخ الروح من الناحية العلمية متوقف على فهم تكوين الجهاز العصبي, فالقلب على أهميته البالغة لم يعد هو المقياس، فقد ثبت عمله في اليوم الحادي والعشرين من عمر الجنين، مع أن القلب قابل للتعويض ولو كان صناعياً( 96).
بيان تكوين الدماغ
يطلق لفظ الدماغ: ( TAEN ) على الجهاز العصبي المركزي الذي يتألف من الأقسام الرئيسة التالية:
1) المخ (CEREDRAM) وهو أكبر جزء من الدماغ, يحتوي قشره على مراكز الحس والحركة الإرادية والذاكرة والوعي... الخ
2) المخيخ (cerebellum ) وفيه مراكز التوازن.
3) جذع الدماغ (BRAEN.STEM ) يتألف من الدماغ المتوسط والجسر والبصلة، وهو مكون من الألياف النخاعية الصاعدة والنازلة, وهو بذلك يشكل صلة الوصل الأساس بين المراكز العلوية المخ والمخيخ ولنخاع الشوكي، وبقية أجزاء الجسم, إضافة إلى ذلك فهو يحوي مراكز عصبية في غاية الأهمية, مثل المركز المنظم للقلب ومركز التنفس، ومراكز السيطرة على الوعي والنوم واليقظة والسيطرة على الذاكرة والسلوك... الخ، فهو أهم ما في المطلب
النخاع الشوكي: يقع في القناة الشوكية التي تقع داخل العمود الفقري ويتضمن عمله أمرين أساسين.
أوّلاً: يكون حلقه وصل بين الدماغ العلوي وبقية الجسم ما عدا الرأس.
ثانياً: إنه مركز لمعظم المنعكسات العصبية الاضطرارية. لكن مصطلح الدماغ لا يشمله فعند ما يطلق لفظ الدماغ، فإنه يقصد به الأقسام الثلاثة الأولى ( المخ. المخيخ. وجذع الدماغ ) ( 97)
دور الدماغ في الجسم
ذكر الأطباء المختصون في كتبهم وبحوثهم أن جسم الإنسان يتألف من خلايا تجتمع البلايين منها مع بعضها بعضاً, لتشكل عضوًا من الأعضاء, يكون على شكل معين ليحقق وظيفة معينة, وتتكامل كل مجموعة من الأعضاء مع بعضها لتحقق وظيفة ما, ولتشكل ما يعرف بالجهاز، كالجهاز العصبي، وجهاز الهضم، ومجموعة هذه الأجهزة تشكل الجسد، تعمل كل خلية في كل عضو من أعضاء الجسد في تناسق دقيق وعجيب مع الخلايا الأخرى في العضو نفسه؛ لتحقيق وظيفة هذا العضو على أكمل وجه, ويعمل كل عضو أيضاً في تناسق أعجب وأغرب مع بقية أعضاء الجسد؛ لتحقق الفائدة العامة للجسد، ويشرف على ذلك كله الدماغ, وذلك عن طريق الاتصال المباشر مع كافة أعضاء الجسد بواسطة ما يعرف بالأعصاب, وكذا عن طريق إرسال مراسلين (هرمونات) من الدماغ إلى تلك الأعضاء تحمل معها أوامره وتعليماته, بالإضافة إلى كونه مركزاً للإدراك والوعي.
الفترة الزمنية لتكوين الدماغ
جاء الطبيب الأمريكي ( جوليوس كورين ) و قدم بحثه عن تكوين دماغ الجنين سنة ( 1989م), حيث أثبت أن المناطق المخيّة العليا تبدأ بالسيطرة على المناطق التي تحتها, وتبدأ التشابكات العصبية ويمكن تسجيل رسم الدماغ من الجنين في هذه الفترة, هي في بداية الأسبوع العشرين من الحمل، أي انقضاء (19) أسبوعاً ويوماً واحداً، وبما أن حساب الحمل عند اختصاصي التوليد يحسب من آخر حيضة حاضتها المرأة لا من بداية التلقيح, فان الفترة تكون ( 120 ) يوماً من بداية التلقيح تساوي ( 134 ) يوماً من آخر حيضة للمرأة. ولعل هذا البحث جعل الدكتور (البار) يتراجع عن نظريته الآنفة الذكر، من تكوين الدماغ خلال الأربعين يوماً الأولى، مع أنّه أخذ يؤكد على ما قاله الطبيب الأمريكي ( كورين ).( 98)
فتحصل عند الأطباء خلال أربعة أشهر الأولى بعد التلقيح يتم فيها تكوين الدماغ, وبالتالي يظهر الإحساس والشعور وما يتبعه من إدراك وفهم.
يرد عليه
أنه لا يسعنا أن نعوّل عليه بشكل قطعي، حيث إن الإدراك والإحساس ليس هو الروح المصطلح عليه بنظر غير الماديين والتجريبيين, وإنما هي مجردة وأجنبية عن التراكيب والانفعالات المادية بين الدماغ والأعصاب والأعضاء, نعم، الجسد بهذا الشكل قابل أن يحتضن الروح ويقبلها, لذا فرَّق الغزَّالي كما نقل عنه بين الروح الربّاني والروح الجسماني اللطيف، الذي هو حامل قوة الحس والحركة.(99 ) وحتى الأطباء أنفسهم لم يصرحوا في إثبات وقت نفخ الروح، إلا أنه نحو من التقريب والاحتمال للاستدلال.
زمن نفخ الروح من الوجهة الشرعية
يمكن أن يُستدل على موعد نفخ الروح من الكتاب والسنة.
أما الكتاب :
قوله تعالى: ژ گ ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ (100 ) .
وتقريب الاستدلال:
إن الخلق الآخر في قوله { ? ? ?} هو نفخ الروح فيه، وجعل فيه خلق آخر غير الجسد.
يرد عليه:
مع التسليم أن المراد بالخلق الآخر هو نفخ الروح ( لوجود الاختلاف بين المفسرين, قيل المراد بالخلق الآخر الأسنان والشعر, وقيل ذكر أو أُنثى …الخ )( 101) إلا أن موعد نفخ الروح يبقى مبهماً, غير معين بالآية بزمن خاص. فالقران يذكر نفخ الروح مع عدم النظر إلى تعيين زمان نفخها، لا سيّما وقد كان العطف بـ (ثم) المفيد للتراخي.
أما السنة :
أولاً: حديث الأربعينات. عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله ?:> إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثله ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وعمله وشقياً أو سعيدا<.( 102)
وتقريب الاستدلال: إن الجنين في الأربعين يوماً الأولى نطفة، ثم في الأربعين الثانية علقة، ثم في الأربعين الثالثة مضغة، فيكون مجموع الأربعينات الثلاثة ( 120 ) يوماً فيرسل الله الملك كي ينفخ في الجنين الروح.
ثانياً: وعن أبي جعفر ? في صحيح زرارة بنفس التقريب المتقدم, إنّه قال في حديث طويل:>.... فتصل النطفة إلى الرحم فتتردد فيه أربعين يوماً ثم تصير علقة أربعين يوماً ثم تصير مضغة أربعين يوماً ثم تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقّان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله<.( 103)
وغيرها من الروايات التي جاءت تتحدث عن أطوار الجنين في بطن أمه، ونفخ الروح.
يرد عليها
أنه مع ذلك كلّه يبقى موعد وزمان نفخ الروح مبهماً, ودلالة النصوص غير ظاهرة، أو صريحة بتعيين زمان نفخ روح الجنين، فحالها حال الآيات القرآنية. إلا أن المسلّم منها نفخ الروح بعد أربعة أشهر بدون إشارة إلى تعيين الزمان بالذات. مع أن لفظ ( ثم ) فيه دلالة إلى الفصل كذلك، كما هو ثابت في محله. فلا يسع لنا أن نسري حكماً قطعياً في تعيين زمان نفخ الروح من خلال الروايات فيبقى الاحتياط بعد أربعة أشهر هو الرائد.
حكم الإجهاض قبل نفخ الروح
عند المذاهب الأربعة :
1- المذاهب الشافعي:
اختلف فيما بينهم على قسمين: بعض يرى الجواز قبل الأربعين يوماً من الحمل فقط. وذلك إلى أن بدء تخليق الجنين تكون بعد اثنين وأربعين يوماً من التلقيح. اعتماداً على ما رواه مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: سمعت رسول الله ? يقول: إذا مرّ بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وعظامها ثم يقول أي رب ذكر أم أنثى.( 104)
من هنا نقل عن صاحب المذهب، وعن صاحب المدرسة مجمد بن إدريس الشافعي: إن أقل ما يكون الشيء به جنيناً أن يتبين منه شي من خلق آدمي، كإصبع، أو عين وما إلى ذلك. وإن هذا لا يكون إلا بعد مرور اثنتين وأربعين ليلة.(105 )
فالمحصل: إن الرأي السائد عند الشافعية هو أن الإجهاض في فترة الأربعين يوماً من بدء العلوق، وكان برضا الزوجين, وشهادة طبيبين عادلين، بأن لا يعقب ضرراً يصيب الحامل, كان ذلك مباحاً عند البعض، ومكروهاً كراهة تنزيهية عند الآخر. فإذا مرّ على بدء الحمل أربعون يوماً كان إسقاطه حراماً مطلقاً, فهم يتخذون من بدء التخلق أساسًا للتحريم ويكون بدء التخلق بعد مرور اثنين وأربعين ليلة من بدء الحمل.
أما البعض الآخر وهو رأي الإمام الغزالي الذي هو من فقهاء الشافعية، يرى حرمة الإسقاط من اللحظة الأولى، التي يتلاقى فيها ماء الرجل وماء المرأة من بداية التلقيح, فالاعتداء على تلك النطفة المكونة من ماء الرجل والمرأة بالإسقاط، هو عدوان على كائن حي بشري موجود حكماً. فالتحريم يبدأ عنده بمجرد التلقيح.(106 )
2- مذهب الحنفية وفيه ثلاثة آراء:
الأول: يرى جواز إسقاط الحمل خلال أربعين يوماً من بدأ الحمل، وتحريمه بعد ذلك كما هو عند بعض الشافعية. وهذا ما نقله ابن عابدين في حاشيته قال:>يباح لها أن تعالج في استنزال الدم ما دام الحمل مضغة ولم يخلق له عضو<( 107).
الثاني: يبيح إسقاط الحمل قبل نهاية الشهر الرابع، سواء كان هناك عذر أم لا, باعتبار أن الروح تنفخ في الجنين بعد مرور مائة وعشرين يوماً, فإنه قبل هذه المدة تكون أمام جسد مادي لا روح فيه، وبالتالي يجوز إسقاطه. ومن القائلين بهذا الرأي الحصكفي الحنفي بجوابه عن السؤال:>وهل يجوز الإسقاط بعد الحمل ؟ نعم، يباح ما لم يتخلق منه شيء ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوماً<(108 ).
الثالث: كراهة إسقاط الحمل قبل نهاية الشهر الرابع إذا كان بغير عذر ويكون مباحاً معه. وهذا ما ذهب إليه الفقيه ابن وهبان الحنفي، حيث يقول: >إن وجود العذر يبيح الإجهاض قبل أربعة أشهر< ونقل عن الذخيرة > لو أرادت المرأة إلقاء ما في بطنها قبل نفخ الروح، القول بالكراهة؛ لأن الماء بعد ما وقع في الرحم ما له الحياة فيكون له حكم الحياة <( 109)
وهناك رأي آخر غير ما ذكرنا: وهو يرى حرمة التسبب للإسقاط منذ بدء العلوق، كما نقل عن الخانية( 110)> ولا أقول بالحل. إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه؛ لأنه أصل الصيد. فلا أقل أن يلحقها إثم هنا إذا أسقطت بغير عذر <(111 )
3- مذهب الحنابلة :
وقد اختلفوا في إسقاط الحمل أيضاً قبل ولوج الروح إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: يجوّز الإجهاض ما دامت النطفة غير بادئة بالتخلّق, والحد الزمني لهذه الفترة هو أربعون يوماً من انعقاد النطفة، فإذا تجاوز الحمل أربعين يوماً كان الإسقاط حراماً.
الاتجاه الثاني: جواز الإجهاض إلى أن تنقضي أربعة أشهر من بدأ الحمل. وهو إلى أن تنفخ فيه الروح. كما نقل في كتاب الإنصاف > يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. وكذا ذكر ظاهر كلام ابن عقيل في الفنون أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح <(112 )
4- مذهب المالكية:
الرأي الراجح عند فقهاء المالكية: هو حرمة الإجهاض مطلقاً, بمجرد استقرار النطفة في الرحم، يكفي في سريان حكم التحريم لمن بادر بالإسقاط، كما نقل عنهم أنّه: > لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً <( 113)
رأي الشيعة الإمامية:
اتفقت آراؤهم على حرمة إسقاط الجنين قبل ولوج الروح فيه بمجرد انعقاد النطفة.( 114) وعلى الجاني إضافة إلى الحرمة التكليفية, هناك حكم وضعي: وهو وجوب الدية على من باشر بإسقاط الجنين. وتكون الدية بحسب المراحل والأطوار التي يمر بها الجنين, كما جاء في رواية أمير المؤمنين ? عن محمد بن يعقوب بأسانيده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين ? قال: جعل دية الجنين مائة دينار وجعل منيّ الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء فاذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان من سلالة (و هي النطفة) فهذا جزء ثم علقه فهو جزءان ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء ثم عظماً فهو أربعة أجزاء ثم يكسا لحماً فحينئذ تم جنيناً فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينار وللعلقة خمسي المائة أربعين دينار وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينار وللعظم أربعة أخماس المائة ثمانين دينار فإذا كسى اللحم كانت له مائة كاملة فإذا نشا فيه خلق آخر فهو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكراً وإن كان أُنثى فخمسمائة دينار.( 115)
أما دليلهم على الحرمة التكليفية:
الأول: موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن ?: المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال: لا, فقلت: إنما هو نطفة فقال إن أوّل ما يخلق نطفة.( 116) ويقصد بها نطفة المشاج, حيث إن النطفة تطلق على ثلاثة أشياء. نطفة الذكر ( الحيوانات المنوية), ونطفة المرأة (البويضة), والنطفة الأمشاج: وهي المختلطة من ماء الرجل وماء المرأة ( أي البويضة الملقحة) وهي بداية مرحلة خلق الإنسان.
الثاني: معتبرة رفاعة قال: قلت لأبي عبدالله ? أشتري الجارية، فربما أحتبس طمثها من فساد دم أو ريح في رحم فتسقى دواء لذلك فتطمث من يومها أفيجوز لي ذلك وأنا لا أدري من حبل هو أو غيره ؟ فقال لي: لا تفعل ذلك فقلت له: انه إنما ارتفع طمثها منها شهراً ولو كان ذلك من حبل إنما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل فقال ? لي:>النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله وإن النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شي فلا تسقها دواء إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه<. ( 117)
وتقريب الاستدلال:
الروايات تنهى عن شرب الدواء لمن أُحتمل حملها، كالتي تأخر واحتبس حيضها، خوفاً من وجود حمل للاحتياط، فتكون أولى بالتحريم بعد ثبوت الحمل.
تحصَّل من كل ذلك إضافة إلى الحرمة التكليفية والعقوبة على ذلك, يلزم المسبب للإسقاط غرامة مادية تقدر بقدر الجنين. وهذا ما اتفق عليه علماء الشيعة الأمامية بالعنوان الأولى.
جواز إسقاط الحمل قبل ولوج الروح حال الضرر
أما بالعنوان الثانوي (أي في حال الضرر) فانّه يجوز إسقاط الحمل قبل ولوج الروح في حال الضرر البليغ على الحامل، ولا يندفع هذا الضرر إلا بإسقاط الحمل. ولا فرق بين كون الضرر المتوجه إلى الأم من ناحية الجنين هو موتها بسببه، أو مرض في تحمله مشقة.
بتعبير آخر: لا فرق سواء كان خطراً على حياة الأم في فرض استمرار الحمل، أم خطراً على صحتها، أو وجود حرج ومشقة في تحمله. وهذا ما ذهب إليه الفقهاء ?كما في فتوى بعضهم، ومنها>... فإن ثبت أن في بقاء الحمل ضرر شديد على الأُم لا يتحمل عادة جاز الإسقاط قبل ولوج الروح وعلى المباشر دفع الدية <( 118) نعم، اختلفوا في ثبوت الديّة هنا، فذهب الأكثر إلى ثبوتها كما هو واضح في فتاواهم لجواز الإسقاط. إلا أن البعض ذهب إلى عدم ترتب وجوب الدية في الموارد التي يجوز فيها إسقاط الحمل؛ لأن أدلتها ناظرة إلى الإسقاط الجنائي لا بما جوزه الشارع المقدس.( 119)
أدلة جواز إسقاط الحمل عند الضرورة:
الأول: قاعدة نفي الحرج والعسر، فإن ما يقتضيه دليل حرمة الإسقاط وهو حرمته في الفرض بالإطلاق, وهو محكوم كغيره، بدليل نفي الحرج. لكن هذا الدليل يصح على من قال بعدم اختصاص الواجبات بالحكومة بل يشمل المحرمات كذلك.( 120)
الثاني: قاعدة نفي الضرر: حيث إن الضرورات تبيح المحظورات, كما هو أصل ثابت في الشرع الإسلامي، فهذه القاعدة تكون حاكمه على الأحكام والأدلة الأولية؛ بأن الحامل تتضرر بتركها إسقاط الحمل، فلا مجال للحرمة في حال الضرر.
الثالث: قد يكون المنساق من دليل حرمة الإسقاط، هو في غير موارد الحرج والعسر والضرر، وإنما في الموارد الاختيارية, فلا إطلاق فيها كي يحتاج إلى تقييد.
حكم إسقاط الجنين بعد ولوج الروح
الشيعة الإمامية :
ثبوت الحرمة هنا من باب أولى، فقد اتفق العلماء على حرمة إسقاط الجنين وهو لا زال في حياته النباتية, فكيف وقد خرج هنا إلى الحياة الإنسانية، وقد أصبح نفساً ذا روح وجسد.
أدلة حرمة إسقاط الجنين بعد ولوج الروح فيه
وقد يستدل على حرمة إسقاط الجنين بعد ولوج الروح فيه بالأدلة الأربعة:
الأول: الكتاب: وهي الآيات الكثيرة التي تدل على حرمة القتل, والجنين في هذه الصورة لا يفرق عن الإنسان الخارجي، كما أنّه نفس محترمة فكذلك الجنين, وللقرآن الكريم في تحريم قتل النفس بغير حق، وعيد ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد, بل ولا مثله، فلاحظ قوله تعالى: ژگ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ژ ( 121) .
انظر الآية كم هي احتوت على فقرات جزائية لهذا المجرم القاتل بغير حق, دخوله جهنم، وأن يخلد فيها, وغضب من الله عليه، ولعنة من الله عليه كذلك، وأعد له إضافة إلى كل ذلك عذاب، وهذا العذاب عظيم.؟ ! وغيرها من الآيات في هذه المسألة.
الثاني: السنة: وهي عبارة عن نصوص كثيرة تحرّم إسقاط الجنين مطلقاً، وهذه النصوص على قسمين. منها: ما تدل على الحرمة بالمطابقة, وهي النصوص التي تشتمل على الحرمة التكليفية. ومنها: ما تدل على الحرمة بالالتزام, وهي النصوص التي توجب الدية. وقد مرّ ذكر بعضها آنفاً.
الثالث. العقل, وتقريبه: إن إسقاط الجنين ظلم, بل أفحش الظلم؛ لأنه اعتداء على من لا يقدر على الدفاع عن نفسه, والظلم قبيح عقلاً ومرفوض, فإسقاط الجنين قبيح ومرفوض عقلاً.
الرابع. الإجماع: أجمع علماؤنا على حرمة إسقاط الجنين، وأوجبوا على من باشر بالإسقاط الدية.
هذا كله بحسب العناوين الأولية. أما يبقى الكلام فيما لو كان استمرار الحمل يضر بالمرأة الحامل، بعد مرحلة ولوج الروح فيه، وإليك بيانه:
حكم إسقاط الحمل بعد ولوج الروح فيه حال الضرر
هنا تعرض عدة صور ولكل صورة حكمها الخاص:
الصورة الأولى: إذا كان الجنين سالماً من حيث الروح وسلامة البدن ودار الأمر بين حياة الأم وموت الطفل أو موت الأم وحياة الطفل.
فيها ثلاثة آراء:
الرأي الأول: الصبر إلى أن يقضي الله أمره، ولا ترجيح شرعاً لأحدهما؛ لأن كلاً منهما نفس محترمة, فلا يجوز قتل أحدهما لحفظ الآخر؛ لعدم وجود مرجح. وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر ? بقوله: >وأما لو كان معاً حيين وخشي على كل منهما فالظاهر الصبر إلى أن يقضي الله، ولا ترجيح شرعاً، والأمور الاعتبارية من غير دليل شرعي لا يلتفت إليها<( 122)
و كذا اختاره صاحب العروة فقال: >ولو خيف مع حياتهما على كل منهما انتظر حتى يقضى< كما علق عليه السيد السبزواري ?؛ لعدم ثبوت ترجيح شرعي لإبقاء حياة كل منهما بالنسبة إلى الآخر. فلابد من انتظار القضاء والقدر.( 123)
الرأي الثاني: جواز الإسقاط وهو ما ذهب إليه السيد الخوئي ? حيث قال >التحقيق أن المقام يدخل تحت كبرى التزاحم لوجوب حفظ النفس المحترمة على الأم، فيجب عليها أن تحفظ على نفسها، كما يجب عليها أن تحفظ ولدها, وحيث لا تتمكن الأم من امتثال كلا الأمرين، فيدخل بذلك تحت كبرى المتزاحمين، وبما أن التحفظ على ولدها وصبرها لموتها أمر عسري حرجي في حقها، فيرتفع الأمر بالتحفظ على حياة ولدها, وبذلك لا يبعد أن يُقال بجواز قتلها ولدها تحفظاً على حياتها. غاية الأمر امتثال هذا الواجب يتوقف على مقدمة محرمة, وهي قتلها ولدها، فالمقام من التزاحم بين وجوب ذيها وحرمة المقدمة, فيقدم الوجوب في ذي المقدمة على الحرمة في المقدمة <( 124) أما في نطاق الفتوى فقد جوز ذلك أيضاً. واتبعه في الجواز الميرزا التبريزي، وهذا نص ما جاء > المرأة الحامل إذا دار أمرها بين أن يقتل حملها وتبقى هي سالمة، وبين أن تموت ويبقى حملها حياً فما هو حكمها هل يجوز لها قتل الحمل...<
الجواب: السيد الخوئي. نعم يجوز ذلك ويُعتبر كلام الأطباء، ما لم يوفق بخطئهم وتجب الدية على مباشر الأمر. أما الميرزا التبريزي: >للأُم أن تقتل الولد ولو بشرب الدواء، ثم يخرجه الأطباء، وفي ثبوت الدية على الأم إشكال <(125 )
الرأي الثالث:يتفق مع الرأي الثاني في النتيجة، ولكن يختلف معه في كيفية الاستدلال, حيث يجوّز للأُم إسقاطه في مثل هذه الصورة؛ وذلك لثبوت الترجيح؛ من جهة أنه يثبت لها القصاص دون الطفل، فيما لو اعتدى على أحدهما معتد، فلو اعتدى المعتدي على الأم فقتلها يقتل بها قصاصاً، أما لو اعتدى على الجنين وهو في بطن أمه وقتله، فعلى القاتل الدية دون القصاص. فهذا يدل على أن حياة الأم أهم من حياة الجنين، الذي هو في بطن أمه.فيكون مرجح للأم في إسقاط الجنين حفاظاً على نفسها.(126 )
ويمكن أن يرد عليه:
هذا لو سلمنا بثبوت الترجيح هنا, فإن مسألة ثبوت القصاص مختلف فيها، فالمشهور ذهب إلى القصاص. كما ورد عن السيد الخوئي ? أنه قال لو ضرب حاملاً فأسقطت حملها، فمات حين سقوطه فالضارب قاتل، والمشهور عليه القود إن كان متعمداً وقاصداً لقتله، وفيه إشكال والأقرب عدمه وعليه الدية.(127 )
الصورة الثانية: لو عُلم علم قطعيّ أو ظنيّ أن الجنين سيولد ناقصاً بعد ولوج الروح فيه، وليس في بقائه ضرر، أو خطر على الأم ؟ ففي هذه الصورة قولان:
الأوّل: القول بعدم الجواز في إسقاطه؛ لصدق عنوان الإنسان الحي عليه ,فحاله حال الإنسان بعد ولادته ناقص الخلقة, فكما هناك لا يجوز, كذلك في هذه المسالة لا يجوز؛ لعدم الفصل, وشمول إطلاقات حرمة قتل المؤمن له, ولا اختصاص لها بالإنسان السوي العاقل، بالإضافة إلى شمول عمومات حرمة قتل الجنين, ولزوم الدية, أو القصاص على الجاني.
الثاني: قيل بالجواز للحرج والعسر فيما بعد عليه وعلى أبوية وعلى المجتمع. وهذا القول في غاية البعد.( 128) لفقده البرهان, ولزوم جواز قتل الإنسان الناقص الخلقة بعد ولادته كذلك لوحدة المناط.
الصورة الثالثة: إذا دار الأمر بين موتهما معاً وموت الجنين فقط. فلو بقي في بطن أمه أدى إلى قتلها ثم موته؛ لارتباط حياته بحياتها, فحينئذ لا يبعد جواز إسقاطه؛ لدوران الأمر بين موت نفسين, وموت نفس واحدة, فالمرجح لإسقاط الجنين هنا ظاهر ومحقق.
غاية المرام :
بعد ما عرفنا أهمية الشريعة الإسلامية في الحفاظ على الحياة الإنسانية, وحرمة إسقاط الجنين في الجملة، يتضح الجواب في حرمة إسقاط الجنين بسبب كثرة النفوس البشرية, وما إليها, حتى إذا كانت سبباً لمشاكل كثيرة، سواء كان قبل ولوج الروح فيه, أم بعده؛ لأنّه ثبت حرمة قتل النفس بعد ولوج الروح فيه لكونه نفساً محترمة, أما قبل ولوج الروح فيه يجوز في حال الضرورة, مع أن فرض السؤال لا توجد ضرور, بالإضافة إلى وجود طرق أُخرى لمنع الحمل, فلم يكن الأمر منحصرًا بالإجهاض كي يحصل التزاحم بين الإسقاط وأمور أُخرى.
رأي علماء السنة في المسألة
لا خلاف بينهم بحرمة إجهاض الحمل بعد نفخ الروح, ومن تعمد يستحق العقوبة؛ لأنه إزهاقٌ لروح آدمي؛ ويستندون لذلك بالكتاب والسنة والإجماع.
و قد أطلق فقهاؤهم بتحريم الإجهاض بعد نفخ الروح, حتى إذا اشتمل بقاؤه خطر على حياة الأم فلا يجوز إسقاطه.
كما نقل عن بن عابدين في حاشيته, فيما لو خيف على حياة الأم من بقاء الحمل, وظن بتقطيع الجنين بقاء الأم (ولو كان حياً لا يجوز تقطيعه لأن موت الأم موهوم فلا يجوز قتل آدمي حي لأمر موهوم).( 129)
آراء السنّة المعاصرين في الإجهاض
إلا أن الدكتور عباس شومان صاحب كتاب (إجهاض الحمل) دافع عن جواز إسقاط الجنين في صورة الخوف على حياة الأم في استمرار الحمل, بدليل: إنّ اجتهاد فقهائنا العظام كان في وقت لم تكن الوسائل الطبية المتاحة تستطيع تحديد مدى الخطورة على حياة الأم من بقاء الجنين, أما اليوم ثبت تحديده بتقدم الوسائل الطبية, فلا يكون الخوف على حياة الأم موهوماً, بل مؤكداً. مع أن القواعد الشرعية التي اعتمد عليها فقهاؤنا لا تأبى إجهاض الحمل إذا خيف على حياة الأم, ولو بعد نفخ الروح فيه؛ فإن الضرورات تبيح المحظورات.
وكذا ما نقل عن اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية التي تصدر عن وزارة الأوقاف في الكويت: أنهم أفتوا بأن الحفاظ على الأم أولى بالاعتبار من بقاء الجنين؛ لأنها الأصل وحياتها ثابتة بيقين؛ ولأن بقاء الجنين سيؤدي إلى وفاته بموت أمه.( 130)
لكن لا يخفى هذا كله في الصورة الثالثة ,وهو دوران الأمر بين حياة الأم أو موت الاثنين معاً,كما صرح به الدكتور شومان حيث يقول ( لأنه وإن كان قتلاً إلا أن فيه إحياء للأم وفي تركه هلاك له وللأم معاً )( 131). ومما يفهم من تعليل اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية ( ولأن بقاء الجنين سيؤدي إلى وفاته بموت أمه ).
إلا أن بعضهم بحسب ما عثرنا عليه من خلال التتبع, قد أجازوا الإجهاض بعد نفخ الروح ,للحفاظ على حياة الأم بعد دوران الأمر بين حياة أحدهما؛ لكونها أهم وأرجح. حيث يقول: > ولكن إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه يؤدي لا محالة إلى موت الأم فان الشريعة بقواعدها العامة تأمر بإسقاطه بارتكاب أخف الضررين, فإن كان في بقائه موت الأم وكان لا منقذ لها سوى إسقاطه كان إسقاطه في تلك الحالة متعيناً، ولا يضحى بها في سبيل إنقاذه؛ لأنها أصله وقد استقرت حياتها ولها حظ مستقل بالحياة, ولها حقوق وعليها واجبات وهي عماد الأسرة، فليس من المعقول أن نضحي بها في سبيل حياة جنين لم تستقر حياته, ولم يحصل على شيء من الحقوق والواجبات< (132 ) .
_______
الهوامش
( 1) انظر: تحديد النسل وقاية وعلاجا: ص32
(2 ) صحيح مسلم: ج4 ص160
(3 )المصدر نفسه: ج6: ص153.: ج4 ص160.: ج2 ص302؛ ج1 ص620 حسب الترتيب
(4 ) سنن ابن ماجة: ج1 ص620
(5 ) انظر: تحديد النسل وقاية وعلاجًا: ص 34
(6) مستدرك الوسائل: ج14 باب ما يكره فيه العزل حديث 3
(7) نفس المصدر حديث 4
(8) مستدرك الوسائل: ج14 باب ما يكره فيه العزل حديث 3
(9) الوسائل:
(10 ) نفس المصدر السابق: حديث 4
(11 ) من لا يحضره الفقيه: ج3ص422
(12 ) انظر: الخلاف: ج4 ص359. المبسوط: ج4 ص266.
(13 ) المقنعة الشيخ المفيد: ص515
( 14) اللمعة: ص106
(15 ) النهاية: ص492
(16 ) دعائم الإسلام: ج2 ص212 مستدرك الوسائل: ج14 ص233.
(17 ) الجامع للشرائع: ص609 ومختلف الشيعة: ج9 ص420 والكافي: ج7 ص343.
( 18) العلّامة الحلي في مختلف الشيعة: ج7 ص94. المشهور كراهة العزل عن الحرة إلا مع الإذن وليس محرماً. وابن إدريس في السرائر: ج3ص419. والمحقق الحلي في المختصر: ص172. الشهيد الثاني في شرح اللمعة: ج5 ص102. المحقق السبزواري كفاية الأحكام: ج2 ص88.: صاحب الحدائق: ج23 ص86. الشيخ الانصاري كتاب النكاح: ص 71. الجواهر : ج29 ص111. تحرير الوسيلة للإمام الخميني: ج2 ص242. السيد الكلبايكاني هداية العباد: ج2 ص306 وغيرهم من المعاصرين ما عدا السيد الخوئي في نطاق الفتوى حيث اشترط الإذن أو اشتراطه في العقد كما هو في كتاب: صراط النجاة: ج1 ص297.
(19 ) انظر: جامع المقاصد: ج12 ص504
( 20) منهم : صاحب الجواهر: ج29 ص111
(21 ) انظر: كتاب خلق الإنسان بين الطب والقرآن: ص221
(22 ) عوالي اللئالي. أبي: جمهور الاحسائي.: ج3 ص30. مسند أحمد بن حنبل: ج6 ص292
(23 ) الوسائل. باب 7 من أبواب الجنابة ح12، والاستبصار: ج1 ص105
(24 ) الكافي: ج3 ص48
( 25) انظر: العروة الوثقى: ج1 ص504
( 26) انظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن: ص121
(27 ) الفتاوى الميسرة. للسيد السيستاني : ص429 واستفتاءات: ص330
(28) النور / 32.
(29) الوسائل: ج5 باب مقدمات النكاح حديث 4
(30) الوسائل: ج20 باب كراهة العزوبة وترك التزويج حديث 2
(31) المصدر نفسه: حديث 3
(32 ) المسائل المنتخبة السيد الخوئي: ص307
(33 ) انظر: متن العروة في كتاب المباني في شرح العروة: ج 32 ص 5
(34 ) انظر: مجمع البحرين: ج1 ص523. ولسان العرب: ج4 ص194. وأما ما قيل في تعريف الحصور (كما في تاج العروس: ج6 ص283) من أنه (الحصور) هو الذي لا يأتي كغيره من الرجال النساء لعدم القدرة على ذلك, أو هو مجبوب الذّكر والأنثيين. فهو مرفوض؛ لكون المقام هنا مقام مدح وهو لا يتأتى إلا على أمر مكتسب يقدر فاعله على خلافه لا على ما كان من أصل الخلقة.
(35 ) آل عمران: 39
(36) وسائل الشيعة: ج7 ص414 بحار الأنوار: ج86 ص361
(37 ) من لا يحضره الفقيه: ج1 ص126, ووسائل الشيعة: ج20 ص255
( 38) شرائع الإسلام: ج2 ص493 واستفتاءات السيد السيستاني: ص241 وغيرهم
( 39) من لا يحضره الفقيه: ج3 ص405, والوسائل باب 71 من مقدمات النكاح حديث 1
(40 ) هداية العباد: ج2 ص306 وانظر: المسائل المنتخبة السيد السيستاني: ص401. المسائل المنتخبة السيد الخوئي: ص304
(41 ) اللباء: أول لبن الأم عقب الولادة, وقيل إلى ثلاثة أيام. معجم ألفاظ الفقه الجعفري: ص353
(42 ) انظر: صراط النجاة: ج2 ص385 وتحرير الوسيلة: ج2 ص312
(43 ) انظر: كتاب تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه: ص69- 71
(44 ) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي: ص86
(45 ) انظر: القواعد الفقهية السيد البجنوردي: ج1 ص214
(46) هداية العباد: ج2 ص231 وانظر: منية السائل: ص114 وغيرهما.
(47) انظر: كلمات سديدة في مسائل جديدة: ص55. وقراءات فقهية: ج1 ص134
(48 ) منهاج الصالحين السيد علي السيستاني: ج1 ص461
(49 ) صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات الشيخ التبريزي: ج1 ص360
(50 ) لا يخفى أن هناك فرقاً بين التملك للشيء وبين جواز التصرف فيه, وهو عموم وخصوص من وجه, فقد يصح أن يكون الشخص مالكاً للشيء لكن يمنع من التصرف فيه, كالمحجور, ويصح أن يتصرف في الشيء وهو ليس مالكاً له كالعين المستأجرة، ويصح الجمع كما هو واضح.
(51 ) انظر: تاج العروس: ج2 ص463 والقاموس المحيط: ج3 ص222
(52 ) انظر: حاشية المكاسب الشيخ الأصفهاني: ج3 ص52
(53 ) انظر: الاقتصاد الإسلامي الشهيد بهشتي: ص7
( 54) يونس: 68
(55) فقه الطب: ص59
(56) المجموع: ج20 ص104.
(57) يوسف/ 20.
( 58) انظر: تفسير مجمع البيان: ج5 ص397. وجوامع الجامع: ج2 ص210.
(59 ) عوالي اللئالي: ج1 ص457.
(60 ) انظر: دروس تمهيدية في القواعد الفقهية: ج2 ص99.
(61 ) كتاب البيع: ج1 ص41.
(62 ) تحرير الوسيلة: ج2 ص626.
(63 ) دراسات في ولاية الفقيه- الشيخ المنتظري: ص495.
(64 ) فقه الصادق ، السيد الروحاني: ج15 ص206.
( 65)الطلاق: 1
(66 )التوبة: 70
(67 ) المائدة:45
(68 ) النساء: 119
(69 ) منهاج الصالحين: ج1 ص436
(70 ) صراط النجاة: ج1 ص353
(71 ) صحيح البخاري: ج6 ص119. صحيح مسلم: ج4 ص130
(72 ) مجمع الزوائد الهيثمي: ج4 ص254
(73 ) تفسير الرازي: ج14 ص63
(74 ) جامع الأحكام للقرطبي: ج5 ص251
(75 ) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: ج1 ص487
(76 ) انظر: تفسير الميزان: ج5 ص84
(77 ) مستدرك الوسائل: ج5 ص463
(78 ) جوامع أحاديث الشيعة: ج16 ص894
(79 ) استفتاءات السيد السيستاني: ص130 و ص59 .
(80 ) انظر: المبسوط في فقه المسائل: ص220
(81) الحدائق الناظرة: ج22 ص23. الكافي: ج5 ص494
(82) من لا يحضره الفقيه: ج3 ص341. وسائل الشيعة: ج11 ص513، البحار: ج61 ص222
(83) انظر: المبسوط في فقه المسائل: ص220. وقرآءات فقهية
(84) انظر: أحكام الجنين في الفقه الإسلامي: ص222. و الفقه والمسائل الطبية: ص80
(85) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص171
( 86) استفتاءات: ص344 وص689
(87 ) استفتاءات: ص689 ، كما يفهم من استفتاء السيد السيستاني حفظه الله: والانعقاد لا يعني الإخصاب فحسب, بل العلوق بالرحم.
(88 ) انظر: منهاج الصالحين الشيخ الفياض: ج3 ص9
(89 ) انظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن: ص165
(90 ) انظر: أساسيات عامة في علم الفسيولوجيا: ص634.وانظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن: ص164
(91) انظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن: ص164
(92 ): صراط النجاة: ج2 ص378
(93) استفتاءات السيد السيستاني: ص689 و: ص95. وصراط النجاة السيد الخوئي والميرزا التبريزي: ج1 ص395
( 94) انظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن: ص351.
(95 ) الحديد/ 17.
(96 ) انظر: الفقه ومسائل طبية،: ص130.
( 97) انظر في كل ذلك كتاب موت الدماغ بين الطب والإسلام: ص42
(98) انظر: أحكام الجنين في الفقه الإسلامي: ص152
(100 ) انظر: كتاب الحقيقة والخيال في الإنسان: ص105 وص129
(102 ) المؤمنون:14
(101) انظر: تفسير البيان للشيخ الطوسي: ج7: ص354. وتفسير الثعلبي: ج7: ص42
(102) صحيح البخاري: ج8: ص188
(103) الكافي: ج6: ص13
(104 ) صحيح مسلم: ج8: ص45
(105 ) انظر: جريمة إجهاض الحوامل: ص248
(106 ) حاشية رد المحتار، ج6، ص751.
(107 ) جريمة إجهاض الحوامل: ص254
(108 ) انظر كتاب تحديد النسل وقاية وعلاجاً: ص76
(109 ) انظر: جريمة إجهاض الحوامل: ص254
(110 ) الخانية: هو اسم كتاب لبعض علماء المذهب الحنفي.
(111 ) انظر كتاب تحديد النسل وقاية وعلاجاً: ص76
(112 ) انظر كتاب تحديد النسل وقاية وعلاجاً: ص79
( 113) انظر إجهاض الحمل: ص55
(114 ) انظر مسائل: جديد از ديدكاه علماء ومراجع التقليد: ج1 ص193
( 115) الوسائل: ج29 باب 9 ديات النطفة والعلقة... حديث1
(116 ) الوسائل: ج29 باب 7 يحرم على المرأة شرب الدواء لطرح الحمل حديث 1
( 117) الوسائل: ج2 باب 33 عدم: جواز سقي الدواء كذلك.
(118) انظر: استفتاءات للسيد السيستاني: ص621 ومنهاج الصالحين: ج1 ص471. وأيضاً السيد الخوئي الميرزا التبريزي: صراط النجاة: ج1 ص332. وتوضيح المسائل الشيخ بهجت: ص547...
(119 ) انظر المبسوط في فقه المسائل المعاصرة: ص250
(120 ) انظر المبسوط في فقه المسائل المعاصرة: ص250
(121) النساء: 39.
(122) جواهر الكلام: ج4 ص378.
(123) مهذب الأحكام: ج4 ص177.
(124) انظر: كتاب الطهارة: ج9: ص193.
(125 ) صراط النجاة: ج1 ص333.
(126 ) انظر: كتاب قراءات فقهية معاصرة: ص506.
(127 ) تكملة المنهاج: ج2 ص416
( 128) انظر: كتاب قراءات فقهية معاصرة: ص506
(129 ) انظر: كتاب موقف الشريعة الإسلامية من تنظيم النسل: ص319
(130 ) كناب الفقه والمسائل الطبية: ص74
(131 ) إجهاض الحمل: ص49
(132 ) كتاب تغيير الأحكام في الشريعة الإسلامية: ص235