Sunday 5 January 2014

تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه تأليف الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن بن منصور




تنظيم النسل
وموقف الشريعة الإسلامية منه
تأليف
الدكتور عبدالله بن  عبدالمحسن بن منصور الطريقي
 الطبعة الأولى
1303هـ -1983م
الناشر
مؤسسة الجريسي للتوزيع
الرياض11431- ص.ب: 1405
ت:4022564 - 4039328       
الدمام:ت:8260437
القصيم: ت:3644366       أبها: ت: 2220485



تمهيد
الحمد لله القائل: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }النحل72,
فإن حياتنا العملية تجود بالكثير من المحاولات للنيل من الإسلام والمسلمين لضرب قوتهم وتضعيف شوكتهم, ومن هذه المحاولات تحديد النسل والذي يتخذ من مسميات عديدة- تنظيم الأسرة, تنظيم النسل, تنظيم الوالدية, الأمومة المنظمة..-دثارا له.
وقد عملت الحكومات و الهيئات والمنظمات الغربية على زرع فكرة تحديد النسل في بلاد المسلمين وعملت على تنمية جذورها, وتعهدها بالسقاية والري, ساعدهم على ذلك من يعيش بين صفوف المسلمين ويتخذ من المواطنة ستارا له, ومن المسلمين الذين رضعوا فكرة الحضارة الغربية وتغذت بها عقولهم فأصبحوا لا يرون النور الزائف  إلا من شعاعها ولا تقبل أسماعهم إلا همسات رجالاتها فيخرون عليها صما وعميانا, وهؤلاء هم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف وتنكر .. دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها  قذفوه فيها.. قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"
وعملت تلك الفئات على صبغ حركة تحديد النسل بصبغات تطفئ نور حقيقتها, فأوجدوا لها الأسباب والمبررات , واتخذوا وسائل الإعلام – من كتاب وصحافة وإذاعة وتلفاز وسينما ومسرح – وسيلة لنقل أفكارهم إلى الناس, وتجسيدها في عقولهم, بل قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك وهو العمل على احتواء المناهج التعليمية في المدارس والمعاهد والجامعات لهذه الأفكار, وبدأ بعض المتعلمين من المسلمين قبل غيرهم التجاوب مع هذه الحركة, واستشعار أهمية تحديد النسل. ولبعض الحكومات في البلاد الإسلامية دور كبير في هذا, إذ اتخذت من تحديد النسل سياسة لها, فشرعت لها القوانين وجعلت لازدياد سكانها نسبة معينة لا تتعداها
مقابل هذا قام المخلصون من علماء هذه الأمة وفقهائها ومثقفيها بتبيان حقيقة الدعوة لتحديد النسل وأبعادها وحكمها الشرعي وأنها موظفة في خدمة أعداء الإسلام
ولكن الحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن دعاة تحديد النسل مستمرون في دعوتهم بكل وسيلة ممكنة وبأساليب متعددة ومتجددة,وينفقون الأموال في سبيل ذلك دون توقف أو كلل.أما الدعوات المخلصة التي تجاهد في تبصير المسلمين بالنتائج السيئة لهذه الحركة فهي هينة في تكوينها وأدائها ,بطيئة في نشاطها ونموها,إذ أنها تحتاج  إلى امكانيات واسعة,وأن تدعم بجهاز منظم يجابه هذه الحركة,ليكشف عن سوءاتها وأهدافها في بلاد الإسلام .

ومما يجدر تسجيله أن بعض صحفنا الإسلامية تتابع هذه الحركة بين وقت وآخر فتقدم لقرائها بعض المعلومات في هذا الشأن وهو عمل مشكور لكنه من وجهة نظري غير كاف.

لهذا وقع كثير من المسلمين في حيرة تجاه الدعوة لتحديد النسل وما تتضمنه من وسائل يجهل معظم المسلمين أضرارها والحكم الشرعي فيها..إذ صورت بأنها نافعة ومفيدة ولا ضرر منها .

إن تحديد النسل في البلاد الإسلامية ,وما يتخذ من مسميات لتحقيق وقعه على نفوس المسلمين ماهو إلا  انتحار تدريجي لأمة ذات كيان قوي,استمدت قوتها من شرعة رب العالمين التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.

وهي في هذا تفرط في مصدر من مصادر عظمتها وقوتها ألا وهو البشر لتحقق لعدوها مكاسب بذل الكثير من المال والجهد لتحقيقها.

من أجل هذا أردت أن أسهم بجهد متواضع يدخل ضمن سلسلة الجهود الإسلامية المبذولة في توعية المسلمين لمشكلة من المشكلات التي يخطط بها للقضاء عليهم ,فقمت بإعداد بحث:
"تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه "فتتبعت هذا البحث –وفق ما ورد في المخطط المعد له- في كتب التفسير والحديث والفقه والاجتماع والطب والصيدلة والدوريات والتي بها بعد الله استطعت أن أخرج بهذه الدراسة,فأوضحت ما خفي من وسائل تنظيم النسل وأحكامها وحقيقة تلك الدعوة والحكم الشرعي فيها وفق ما ظهر لي من الأدلة وأقوال العلماء ,فأزلت اللبس الذي قد يكتنفه ورجحت ما يدور معه الدليل دون تعصب لمذهب أو رأي ,رائدي في ذلك الحق الذي أبحث عنه وأرغب في الوصول إليه إرضاء لوجه الله تعالى ورغبة في ثوابه وحسن جزائه .

طريقة إعداد البحث :-
1. اقتصرت على المذاهب الأربعة ومذهب ابن حزم غالبا مع ذكر أراء بعض الصحابة وبعض التابعين أحيانا.
2. أذكر أراء العلماء باختصار مبتدئا بالرأي الراجح ثم الذي يليه وهكذا مع ذكر المذاهب وفق الترتيب الزمني لمولد إمام المذهب غير أنني أشذ عن هذا عند اختلاف المذهب في المسألة فأقدم ما فيه اتفاق على ما فيه اختلاف .
3.     أذكر نصوص العلماء في ذلك مبتدئا بالرأي الراجح ثم الذي يليه وهكذا.
4. أذكر الأدلة مبتدئا بالرأي المرجوح ومناقشة كل دليل عند وروده ثم أذكر الرأي الذي قبله وهكذا إلى أن أختم هذه الأدلة بذكر أدلة الرأي الراجح وبيان الترجيح.
5.   عندما أقول أخرجه البخاري ومسلم مثلا فإنما أعني رواه البخاري ومسلم.
6. أذكر رواة الحديث وفق ما يلي ,البخاري,مسلم ثم أرتب رواة الأحاديث وفق الترتيب الزمني بمولد كل منهم مالك,عبدالرزاق,الحميدي,أحمد,الدارمي,أبوداوود,ابنماجه,الترمذي,النسائي,الطبراني,الدارقطني,الحاكم,  البيهقي.
7.  حينما يكون راوي الحديث صحابيا واحدا وقد ذكر في الأصل فإنني أكتفي بذكره فلا أذكره عند رواة الحديث في الهامش وإن رواه أحد منهم عن صحابي آخر أوضحت ذلك .
8. حينما أقول"سبق اخراجه"فإنني أقصد سبق ذكر رواة الحديث وتخريجه يكون وفق ما في هذه الإحالة .
9.   عندما أقول أخرجه أبو داود وقد سكت عنه فإنما أعني صحة هذا الحديث.
10.   عندما أقول "أنظر"فيعني أنني تصرفت بالمنقول تقديما او تأخيرا او اختصارا او استفدت منه الفكرة ,
11.        عملت على التصرف بالنص المنقول بحرفه بتصويب ما ظهر لي من الأخطاء اللغوية .

وكذلك ذكر التاريخ الهجري وإن لم يكن قد ذكر في المنقول عنه إلا التاريخ الميلادي فقط.

ولعل في اختياري لهذا الموضوع وإبرازه ببحث مستقل ما يجمع شتاته ويلم شعثه ويقرب بعيده ويعيد شاردة بحيث لا يخفي على قارئ ولا يلتبس على مطلع ولا يشتبه على باحث وذلك قدر طاقتي وحسب استطاعتي فلست بعالم ولكني طالب علم أرجو أن أكون قد وفقت فيه وما توفيقي إلا بالله منه استمد العون وأستلهم الصواب.
هذا وقد اشتمل البحث على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة
 المقدمة وتشتمل على موضوعين:-
الموضوع الأول :تعريف تنظيم النسل وبدء الدعوة لتحديد النسل وتطورها.
الموضوع الثاني:وسائل تنظيم النسل.
  • الباب الأول:وسائل منع الحمل وفيه فصلان:
       - الفصل الأول:وسائل صناعية لمنع الحمل وفيه عدة مباحث.
            .المبحث الأول:أقراص منع الحمل.
            .المبحث الثاني:الحقن.
            .المبحث الثالث:اللولب .
            .المبحث الرابع:حاجز الكبوت.
            .المبحث الخامس:استخدام المواد الكيماوية.
            .المبحث السادس:طرق أخرى قيد الدراسة.
            .المبحث السابع:حكم استعمال هذه الوسائل.
            .المبحث الثامن:التعقيم.
       -  الفصل الثاني:وسائل طبيعيه لمنع الحمل وفيه عدة مباحث:
           .المبحث الأول:فترة الأمان.
           .المبحث الثاني:تسخين الخصيتين.
           .المبحث الثالث:عوامل اجتماعية وسياسية.
           .المبحث الرابع:العزل.
  • الباب الثاني:الإجهاض وفيه فصلان:
      -  الفصل الأول:تعريف الإسقاط والإجهاض وبيان أنواعهما وفيه ثلاثة مباحث:
           .المبحث الأول: تعريف الإسقاط والإجهاض وبيان أنواعهما.
           .المبحث الثاني:الإسقاط الاختياري .
           .المبحث الثالث:الإسقاط الضروري
      - الفصل الثاني:العقوبات الشرعية المترتبة على الإجهاض ويتضمن ثلاثة مباحث:
          .المبحث الاول:الغرة.
          .المبحث الثاني:كمال دية الجنين وآراء العلماء في ذلك.
          .المبحث الثالث:الكفارة في إسقاط الجنين وأقوال العلماء في ذلك وأدلتهم مع الترجيح .
  • الباب الثالث:تحديد النسل الجماعي وفيه خمسة فصول :
     - الفصل الأول:معنى تحديد النسل الجماعي وأدلة المؤيدين لتحديده ومناقشتها.
     - الفصل الثاني:أدلة المعارضين لتحديد النسل الجماعي.
     - الفصل الثالث:الدعوة لتحديد النسل في البلاد الأسلامية وفيه عدة مباحث:
         .المبحث الاول:الدوافع لتحديد نسل المسلمين.
         .المبحث الثاني:نشاط الحكومات والهيئات والمنظمات الدولية القائمة على تحديد نسل
                       المسلمين.
        .المبحث الثالث:موقف دعاة تحديد النسل-الغربيين- من تحديد نسل شعوبهم.
        .المبحث الرابع:نماذج من مسار وأهداف الدعوة لتحديد النسل في بعض البلاد الأسلامية .
        .المبحث الخامس:موقف الدول المتقدمة من المشكلات الداعية لتحديد النسل في البلاد
                        الإسلامية.
        .المبحث السادس:الحل لمشكلاتنا الاقتصادية.
     - الفصل الربع:الآثار التي تترتب على تحديد النسل الجماعي.
     - الفصل الخامس:موقف الأسلام من تحديد النسل الجماعي ومدى سلطة الدولة في تحديده وفيه
                        مبحثان:
        .المبحث الأول:حكم تحديد النسل الجماعي .
        .المبحث الثاني:سلطة الدولة في تحديده.
الخاتمة :وهي بيان لأبرز نتائج هذا البحث.



الخاتمة
بيان لأبرز نتائج هذا البحث
الإنسان ثروة من ثروات الأمم يكمن في سر قوتها وعظمتها ورفعة مجدها وعزتها.
والأمة التي أرادت الخير لنفسها تعمل على توجيه هذا الإنسان وتربيته تربية صالحة تمكنه من اخذ مكانه فيها –عاملا ومهندسا وطبيبا وجنديا ومربيا ومدرسا وداعيه ...ليسهم في بنائها ويعمل على رفع شأنها ليجعل لها مكانتها بين الأمم الأخرى.
ولقد منحه الله عقلا يفكر ويدا تعمل فحقق الذي نراه ونشهده من تقدم علمي سخر له به أعماق النهار وآفاق السماء..
ومع هذا ظهرت نظريات وأفكار غير المسلمين-هي أبعد ما تكون عن الإيمان بالله –ترى أن الإنسان هو مصدر جوع الإنسانية مما يؤكد وجوب الأخذ بتحديد النسل خاصة بين الدول النامية والتي غالبيتها من المسلمين.
وبنوا تصوراتهم وتعليلاتهم الظاهرة على أسباب مادية متجاهلين حقيقة الإيمان بالله وأنه الرزاق ذو القوة المتين .
وبذلوا لتحقيق ذلك الأموال العظيمة والجهود الكبيرة وأوجدوا لذلك منظمات ومؤسسات دعموها بالأموال ومكنوها من مباشرة أعمالها في غالبية بلاد المسلمين.
وتمكنت من مخاطبة جمهور المسلمين والتعامل معهم في هذا الشأن.وسخرت لها وسائل الإعلام المختلفة لتصل إلى من لا يستطيعون الوصول إليه لكي لا يتجاوب معهم  ..وبالتالي يضعف شأن المسلمين وقوتهم والتي كانت وما  تزال مصدر رعب وخوف لهؤلاء.في الوقت الذي يدعون وينادون بتكثير نسل شعوبهم وتوفير إمكانيات نموه وزيادته ...وذلك لرغبتهم في الحصول على ثروة عظيمة هي"الإنسان"وانخدع بهذه الآراء بعض المسلمين فرأوا تحديد النسل خوفا من قلة الرزق وهذا بحد ذاته نذير خطر عظيم لدينهم وإيمانهم يتضاءل أمامه كل خطر اقتصادي وأزمة معيشية لما فيه من سوء الاعتقاد  بشمولية"رب العالمين"للرزاقية التي لا ينضب معينها ولا ينقطع مددها إلا لأجل حكمة إلهية أرادت قلة الرزق وانتشار المجاعة لمصلحة العباد والبلاد.
لهذا قامت الدعوة لتحديد النسل كعلاج لقلة الرزق على هدم الأساس الذي يقوم عليه ديننا وإيماننا مما يؤكد أهمية خطر هذا الجانب في حركة تحديد النسل.
وإذا انطلقت هذه الفكرة عند المسلم إلى حيز التنفيذ والعمل فمعنى ذلك أن الإيمان انحسر وتلاشى في النفس,وحل محله فكر مادي ملحد ينادي بأن ليس هناك رب لهذا الكون,وإنما هو الأنسان وحوله الكون وحده,فلا بد من أن يعتمد على الوسائل المادية الظاهرة في قضاء حياته...وهذا حصل بسبب تيار الأجواء السامة للمدنية الغربية الى الرجل المسلم الذي يعلن إيمانه,ويعيش مع المسلمين وفي محيطهم ,ولكنه لايفكر تفكير المسلمين في مشكلات الحياة وقضايا الساعة ,وإنما يتجاوب فكره مع فكر الماديين الملحدين في أمور الحياة.
لهذا نرى ان المخلصين من علماء هذه الأمة ومثقفيها أوضحوا أن حركة تحديد النسل إنما هي لخدمه أعداء الأسلام في كل مكان لإضعاف المسلمين وكسر شوكتهم.وبهذا أصدرت الأحكام الشرعية التي تحرم تحديد النسل والدعوة إليه من مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والمجلس التأسيسي  لرابطة العالم الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة .
وأما الوسائل الحد من النسل فقد خرجت من دراستها بالأمور الآتية:
1.   تحريم الأجهاض الاختياري منذ التقاء البويضة بالحيوان المنوي .
2.   تحريم التعقيم الدائم.
3.   الوسائل الأخرى المانعة للحمل جائزة بالشروط الآتية :          
   .الشرط الاول:رضا الزوجين.
.الشرط الثاني:انتفاء الضرر منها.
.الشرط الثالث:مراعاة حق المجتمع وانتفاء التأثير الحكومي أو الإعلامي .
فلا يحق للزوجين او إحداهما اتخاذ قرار في هذا الشأن إلا بعد الأخذ بهذه الشروط,والتي تحصر تنظيم النسل وتنظمه في أوجه شرعية داعية له كمرض الزوجة.
وبهذا نكون قد أنهينا ما رمنا إنهاءه وأتممنا ما وفقنا لإتمامه وهو بحث"تنظيم النسل وموقف الشريعة الأسلامية منه"فأحمد العلي العظيم على نعمه التي لا تحصى وتوفيقه الذي لا ينسى ,وأضرع إليه تبارك وتعالى أن يتجاوز عني إذا أخطا رأيي وزل قلمي فما قصدت إلا الخير والإصلاح وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وحكم شرعه الى يوم الدين.  
   عدد صفحات الكتاب669صفحه
كتبه :
      أ.د عبدالله بن عبدالمحسن بن منصور الطريقي
                              الأستاذ في كلية المعلمين بالرياض        
                                                                                             

1 comment:

  1. اسلام عليكم ورحمت الله
    حفظكم الله اين استطيع ان اجد هذالكتاب

    ReplyDelete