Sunday 5 January 2014

تنظيم الأسرة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية

تنظيم الأسرة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية

الأربعاء 08 جمادى الأولى 1431 / 21 نيسان 2010

تنظيم الأسرة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية

أسرتنا حصن أمتنا


إن الذي خلق الإنسان شاء أن يجعل الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء{ [النساء: 1]، وأراد بالتقاء شطري النفس الواحدة أن يكون سكنًا للنفس وهدوءًا للعصب وطمأنينة للروح وراحة للجسد، ثم سترًا وإحصانًا وصيانة، ثم مزرعة للنسل وامتداد الحياة مع ترقيها المستمر في رعاية المحضن الساكن الهادئ المطمئن المصون.
قال تعالى: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {[الروم: 21]، وقال تعالى:
}هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ{ [البقرة: 178]، وقال عزَّ وجلَّ: }نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ {[البقرة: 223]، وقال تعالى: }وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ{ [الطور: 21].
إن الأسرة هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق والأولى من ناحية الأهمية لأنها تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني وهو أكرم عناصر هذا الكون في التصور الإسلامي.
[إن تشكيل الأسرة أسلوب من أساليب تخليد ذكر الإنسان ولهذا تعتبر الأسرة اللبنة الأساسية بين بني البشر] ([1]).
فالأسرة هي وحدة البناء في جسم أمتنا، ومجمع فكرها وقيمها وعنوان هويتها ونموذجها الحضاري.

 
الأسرة في الإسلام: التكوين والتوعية ‏
لقد رعى الإسلام الإنسان في كل تجليات وجوده، فرداً كان أو أسرة، ورعاية الإسلام تعني: ‏
أولا ـ التأسيس من خلال التكوين. ‏
ثانياً ـ والاستمرار عبر الحماية والعناية ‏
ثالثاً ـ والتوريث، بوساطة التنفيذ الواعي. ‏
وإذا ما أردنا الحديث عن التكوين والحماية والعناية والتنفيذ الواعي في مجال الأسرة فإننا نتحدث عن: ‏
أولاً: التأسيس من خلال التكوين: الذي يتجلى من خلال الاختيار السليم من الرجل للمرأة، ومن المرأة للرجل.
ثانياً ـ الاستمرار عبر الحماية والرعاية: ‏
ـ فلا طلاق، والطلاق في ساحة البغضاء وضعه الله عز وجل. ‏
ـ ولا زنى، لأنه معول يهدم الأسرة. ‏
ـ ورعى الإسلام الأسرة بعد ذلك ، فقدم لها تشريع عناية، حسن الخلق في التعامل، والتعاشر بالمعروف، ثم بر الوالدين.
ثالثاً ـ التوريث بوساطة التنفيذ الواعي: ‏
 ومن أراد عرضاً لهذه الملامح الكريمة فليقرأ ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها حينما وصفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: "كان أبر الناس وأكرم الناس، بساماً ضحاكاً"([2]). ‏
وحينما نسأل هذه الأسرة الكريمة عن سلوك الزوجة، يطالعنا التاريخ بكلمات ستبقى الطغراء في صفحة الحياة، حين قالت السيدة خديجة رضي الله عنها للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يوم جاءها ترتعد فرائصه لما هبط عليه الوحي، قالت هذه الزوجة الرائدة الرائعة الواعية: "كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق""([3]). ‏
الدوافع للارتباط بالشريك:
وتتباين دوافع الناس إبان التفكير بالزواج بدءاً بالدوافع العادية؛ كتأمين الغرائز الطبيعية، وحتى الدوافع السامية؛ مثل التكامل.
وكلها ـ دون استثناء ـ تترك آثاراً على نمط تكوّن العلاقات الزوجية فيما بعد.
إن مجموعة متكونة من الدوافع:
كالحاجة إلى الأنيس.
والتهرب من الوحدة والعزلة.
والحاجة إلى التعامل العاطفي والاستقرار النفسي.
والحفاظ على النوع البشري.
وطاعة الله.
هي التي تساهم في قضية انتخاب الشريك المناسب.
التوافق والسعادة
وضع الإسلام عدداً من المبادىء الهامة التي تحكم الزواج والأسرة.
أولها: مبدأ السكينة:
فالسكينة هى أحد مقاصد الزواج على نحو ما يوضح القرآن الكريم، قال تعالى: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ [الروم: 21].
وينطوي هذا اللفظ على معاني السلام والتوافق والسعادة.
وحتى تتحقق السكينة في حياة الأسرة فمن الضروري ان تربط المودة والتعاطف والرحمة بين الزوج وزوجته.
والسلام والتوافق والسعادة في الحياة الزوجية على نحو ما يصورها الإسلام قد لا تتحقق إلا إذا ادرك الزوجان بصورة كاملة معنى الزواج وأنه مدخل إلى حياة جديدة تنطوي على مسؤوليات.
فإذا ما أقدم الإنسان على الزواج دون قدرة على توفير المتطلبات اللازمة له فإنه سيكون من الصعب تحقيق السكينة المنشودة، وستزداد الصعوبة بزيادة الأعباء ومسؤوليات الإعالة مع كثرة المواليد، إذ أن أعباء الأسرة ستكون أشد وأثقل.
وهذا ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل ينسحب على مستوى المجتمعات، فإذا لم تكن على قدر المسؤولية في الحفاظ على الأسرة وتلبية متطلباتها، عاش المجتمع مريضاً.
إن درجة التأثير المتبادل بين الأسرة كنواة أولى في المجتمع، ولبنة أساسية فيه، وبين النظم المحيطة بها قد نوقشت على أعلى المستويات الوطنية والعربية والإسلامية والدولية، حيث أثرت بشكل مباشر على البناء الثقافي والقيمي للمجتمع.
ومما لا شك فيه: أن المشكلة السكانية بأبعادها الثلاثة: (الزيادة السكانية، والتوزيع السكاني، والخصائص السكانية) تعد من أخطر المشاكل التي تواجه المجتمعات على مر العصور والأزمان.
وقد أولت الحكومة اهتماماً بالغاً بالمسألة لجهة معرفة أبعاد المشكلة، والعمل على تنظيمها والسيطرة عليها؛ تحقيقاً للأهداف التنموية، وذلك عبر برنامج (تنظيم الأسرة) الذي تشرف عليه الهيئة السورية لشؤون الأسرة.
رغم أن الكل متفق على أن حل المشكلة السكانية هو مسؤولية جماعية؛ تحتاج تضافر جهود جميع القطاعات وكافة الهيئات والمؤسسات العاملة في مجال السكان، أو التي لها علاقة بالسكان بما في ذلك وزارة الأوقاف، ومن هنا كان حرص الوزارة على إصدار دليل عمل للمسألة في أبعادها الدينية.
فتنظيم الأسرة مسؤولية إنسانية من أجل وجود نوعي متميز، قادر على التحقق بالغاية الأسمى، والوصول إلى الهدف الأرقى دنيا وأخرى
فالتنظيم يعني جعل الأمر منظماً، يخضع لقواعد وضوابط وأسس علمية سليمة.
وكلمة [تنظيم] واسعة الدلالة، وهي مرغوبة في كل شئ، والكون ذاته قائم على هذا، قال الله تعالى: }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {[سورة القمر 49].
وأما كلمة [الأسرة] فعريضة المدى، واسعة الطيف، عميقة الدلالة، بسلامتها يَسلم المجتمع.
وهي تضم في الغالب: زوجاً، زوجة، وأولاداً، وأقارب.
وهؤلاء بمجموعهم يشكلون مجتمعاً صغيراً، هو النواة لمجتمع كبير.
وحين نضيف كلمة [تنظيم] إلى كلمة [أسرة] فيقصد بها:
كل أمر يعمل على تهيئة الظروف السوية لأسرة ناجحة سعيدة في الدنيا، وفالحة في الآخرة.
وكلمة تنظيم الأسرة يراد بها في الغالب: ما يتعلق بالنسل البشري والذرية الإنسانية؛ قِلة أو كثرة.
مقاصد الأسرة في الإسلام:
الإعفاف والسكن النفسي وشيوع المودة والرحمة والنسل (أي وجود الأولاد لاستمرار النوع البشري).
مجالات تنظيم الأسرة:
تظهر مجالات تنظيم الأسرة في عدة أمور:
أ- تنظيم الأسرة فيما يتعلق بالذرية، قلة أو كثرة.
ب- تنظيم الأسرة فيما يتعلق بالتمهيد لبنائها تمهيداً سليماً.
ت- تنظيم الأسرة اقتصادياً.
ث- تنظيم الأسرة في تحديد العلاقات بين أفرادها.
ج- تنظيم الأسرة علمياً وثقافياً واجتماعياً. 
قضية النسل:
النسل مقصد للإسلام يُلاحظ من خلال النصوص التي تحض على الزواج والاهتمام بالأولاد.
وهذه بعض الأدلة من القرآن:
قوله تعالى}الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا{ [الكهف: 46].
وعلمنا القرآن دعاء الصالحين (عباد الرحمن) فقال عزَّ وجلَّ: }وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{ [الفرقان: 74].
من السنة:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم"([4]).
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"([5]).
ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل الولد الصالح امتدادا لثواب والديه بقوله: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"([6]).
تنظيم الأسرة:
هو ممارسة تركز على وضع الأسرة ومستقبلها من حيث الإنجاب بحيث تتمكن الأسرة من العيش بصحة وسعادة وفي إطار إمكانياتها ومسؤولياتها.
وهو بشكل عام تعني: أن يقوم الزوجان بتخطيط توقيت إنجاب الأطفال وعددهم، والفترة الزمنية التي تمر بين إنجاب كل طفل وآخر؛ وذلك بغرض تقليل احتمال تعرض الأمهات والأطفال لمخاطر الحمل والولادة في المراحل الخطرة من العمر أو تجنب الحمل غير المرغوب.
أو هو: قيام الزوجين بالتراضي وبدون إكراه باستخدام وسيلة مشروعة ومأمونة لتأجيل الحمل أو تعجليه بما يناسب ظروفهما الصحية والاقتصادية وذلك في نطاق المسؤولية نحو أولادهما وأنفسهما.
أو هو: إيجاد فترات متباعدة بين مرات الحمل، بطريقة مشروعة غير ضارة، لداع يدعو إلى ذلك.
حكم تنظيم الأسرة:
ربما يتبادر إلى الذهن أن المراد من عملية تنظيم الأسرة، هو: تقليل الذرية في بعض الأزمنة، كما قد يكون تكثيراً للنسل في أزمنة أخرى، فلا شك في أن كثرة النسل أو قِلَّته، ليست وضعاً ثابتاً جامداً، بل يتبدل حسب الظروف والأوضاع، ويتغير تبعاً للأحوال.
وبالتالي فإن تنظيم الأسرة أمر نسبي، لا يخضع لقانون ثابت موحد، بل يرتبط الموضوع ارتباطاً وثيقاً بالمصلحة المرسلة، التي عَدَّها الفقهاء مصدراً من مصادر الفقه الإسلامي.
ويندرج حكم تنظيم الأسرة تحت قاعدة الاجتهاد؛ إذ لا يوجد نص شرعي بخصوصه لفظاً، والاجتهاد - هنا - ينبغي أن يكون مبنياً على جلب المصلحة ودرء المفسدة، دون الخروج على أصول الشريعة، بناء على القواعد المقررة شرعاً من أن: (الضرر يُزال)، و(لا ضرر ولا ضرار)، و(المشقة تجلب التيسير)، قال تعالى: }مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ{ [المائدة 6]، وقال تعالى: }وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{ [الحج: 78].
والملاحَظ في الشريعة الغراء أن الأمر الذي يتغير بتغير الظروف والأحوال، لا تنص فيه على وضع موحد ونص قاطع، بل تكله إلى اجتهاد البُصرَاء، واستنباط الفقهاء، في ضوء قول الله تعالى: }وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً{ [النساء 83].
موقف الإسلام من العزل [وسائل موانع الحمل]:
أولاً: النصوص الشرعية:
وردت أحاديث وأخبار صريحة بأن العزل كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه جائز، منها ما يلي:
1- في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ينزل([7])، أي : ولو كان هذا حراماً لنزلت في القرآن آية تحرمه، فلما لم يحدث دل على جوازه.
2- وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يُعزل عن الحرة إلا بإذنها"([8])، وهذا معناه أن العزل عن الزوجة الحرة جائز إذا وافقت عليه.
3- روي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أنه جلس إلى عمر رضي الله عنه جماعة من الصحابة، فيهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وتذاكروا موضوع العزل، فقال عنه الإمام علي كرم الله وجهه: " لا بأس به "، فقال له رجل: إنهم يزعمون أنها المؤودة الصغرى؟، فَرَدَّ عليه الإمام علي قائلاً: لا تكون موؤدة حتى تمر على التارات السبع: تكون سلالة من طين، ثم تكون نطفة، ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظاماً، ثم تكون لحماً، ثم تكون خلقاً آخر، وسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال للإمام: "صدقت، أطال الله بقاءك".
4- وفي الحديث أن جابر بن عبد الله روى أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن عزله عن جارية لا يريد لها أن تحمل، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اعزل عنها إن شئت؛ فإنه سيأتيها ما قُدِّر لها"([9]).
5- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينهنا، ولو كان شيئاً يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن"([10]).
ثانياً: الأقوال المأثورة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "جهد البلاء: كثرة العيال مع قلة الشيء"([11])، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء"([12]).
أي: إن الابتلاء يشتد ويصعب حين تكثر الذرية والأولاد لدى إنسان، ولا يتيسر له ما تحتاج إليه حياتهم وكثرة مطالبهم وتعدد حاجياتهم.
ورد عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: (قلة العيال أحد اليسارين)([13])، وفي رواية بزيادة: (وكثرته أحد الفقرين)([14])، وجاء في تفسيرها: إن قلة العيال مع الفقر كاليسار الحقيقي مع كثرتهم([15]).وعن عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قال: (إن كثرة العيال أحد الفقرين، وقلة العيال أحد اليسارين) ([16])، والفقران هنا: قلة المال وكثرة العيال، واليساران هما: كثرة المال وقلة عدد الأولاد.
والفقران هنا: قلة المال وكثرة العيال، واليساران هما : كثرة المال وقلة عدد الأولاد.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر لأهلها: يا معشر الناس؛ إياكم وخلالاً أربعاً فإنها تدعو إلى النَّصَب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، والى المذلة بعد العزة؛ إياكم وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال من غير إدراك ولا نوال([17]).
وقال الإمام أبو حنيفة في مقطع من وصيته لتلميذه القاضي أبي يوسف: (ولا تتزوج إلا بعد أن تَعَلَّم أنك تقدر على القيام بجميع حوائجها.
واطلب العلم أولاً، ثم اجمع المال من الحلال، ثم تزوج، فإنك إن طلبت المال في وقت التعلم عجزت عن طلب العلم، ... فيضيع وقتك، ويجتمع عليك الولد وتكثر عيالك، فتحتاج إلى القيام بمصالحهم وترك العلم.
واشتغل بالعلم في عنفوان شبابك، ووقت فراغ قلبك وخاطرك، ثم اشتغل بالمال ليجتمع عندك؛ فإن كثرة الولد والعيال يشوش البال، فإذا جمعت المال فتزوج)([18]).
ويفسر الإمام الشافعي قوله تعالى: }وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ{ [النساء: 3]، فيقول: فيقول: أَنْ لَا يَكْثُرَ من تَعُولُونَ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ على وَاحِدَةٍ([19]).
ويؤيد ابن جرير الطبري هذا التفسير، حيث يقول: إن الزوجة الواحدة ستكون أهون على الرجال في العيال؛ لأن نسله سيكون من زوجة واحدة، بخلاف ما لو تزوج بأكثر، وكل زوجة جاءت بذرية؛ لأن الذرية ستكثر حينئذ بتعدد مواطن الإنجاب.

ثالثاً: النصوص الفقهية:
قال الشافعي رحمه الله :[ ونحن نروي عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم رخصوا في ذلك ولم يروا به بأساً].
وقد تكلم الإمام الغزالي عن طريقة منع الحمل المعروفة في وقتهم وهي العزل، والعزل هو: [منع التقاء المادة التناسلية من الزوج، بالمادة التناسلية من زوجته، بأن يقذفها خارج الرحم].
وأورد الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد الأحاديث التي جاء فيها جواز العزل، ثم قال: [فهذه الأحاديث صريحة في جواز العزل].
ثم ذكر أن القول بجوازه وإباحته منسوب إلى عشرة من الصحابة هم: علي، وسعد، وأبو أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، والحسن بن علي، وخباب، وأبو سعيد الخدري، وابن مسعود عليهم رضوان الله جميعاً.  
وذكر ابن عابدين عن [الخانيّة] والكمال بن الهمام: أنه يجوز للمرأة سد فم رحمها كما تفعله النساء؛ مخالفاً لما بحثه في [البحر] من أنه ينبغي أن يكون حراماً إن كان بغير إذن الزوج، قياساً على عزله بغير إذنها.
ويقول فقهاء الشافعية: [ويحرم ما يقطع الحَبَل من أصله، أما ما يُبطئ الحَبَل مدة، ولا يقطعه من أصله؛ فلا يحرم، كما هو ظاهر، بل إن كان لعذرٍ؛ كتربية ولد؛ لم يكره أيضاً، وإلا كره] ([20]).
ويقول الرملي من فقهاء الشافعية: [إن استعمال الدواء لمنع الحمل لا مانع منه، ما لم يُلحِق ضرراً بالمرأة].
وجاء في مطالب أولي النهى: [ويجوز شرب دواء مباح لقطع حيض مع أمن الضرر، نصاً كالعزل ولو بلا إذن الزوج، على الصحيح من المذهب]. 
وذكر الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار: [أنه لا خلاف بين العلماء في جواز العزل؛ بشرط أن توافق الزوجة ... على ذلك؛ لأنها شريكةٌ في المعاشرة الزوجية].
ولقد عرف الناس مع تطور الأيام طرقاً أخرى غير العزل لمنع التقاء المادتين التناسليتين، وما دام الهدف من وراء هذه الطرق واحداً؛ فلا مانع إطلاقاً من قياس هذه الطرق على طريقة العزل التي كانت معروفة عند القدماء.
فإذا وجد الضرر حرم المنع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
وإذا لم يوجد الضرر فيكون الجواب على النحو التالي:
جواز منع الحمل بهذين الشرطين معاً:
ا) موافقة الزوجين لأن الولد حق لهما.
2) عند وجود ضرر لهما [الضرر المادى والخلقي].
فالمقصود الأساسي من هذا العزل هو البعد عن التلقيح، وقد قرر الفقهاء بأن إفساد المادة التناسلية قبل التلقيح لا يكون اعتداء على جنين بحال من الأحوال.
ومن الوسائل المشروعة لتنظيم النسل وسيلة غير مباشرة:
وذلك ما ورد في الحديث الشريف الذي ينهى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المعاشرة بين الزوجين فيما إذا كان لهما وليد يرضع، فقد روي عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تقتلوا أولادكم سراً؛ فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره([21])"([22]).
وقتل السر هو: حمل المرأة وهي تُرْضِع ولداً سابقاً.
والغيل [بفتح وسكون]: أن يعاشر الرجل زوجته إبان الرضاع معاشرة تفضي إلى حمل.
وإذا كانت مدة الرضاع الكامل سنتين بدليل قوله تعالى: }وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ{ [البقرة 233]، ثم تأتي مدة الحمل تسعة أشهر فمعنى هذا أنه سيكون بين الولد السابق والولد التالي ثلاثة أعوام تقريباً، وهي مدة تستريح فيها الأم، وتعاون على تنظيم الأسرة بطريق غير مباشر.
فتاوى معاصرة في جواز تنظيم النسل:
1- في سنة /1953/ أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فتوى جاء فيها: (استعمال دواء لمنع الحمل مؤقتاً لا يحرم على رأي الشافعية، وبه تفتي اللجنة، ولا سيما إذا خيف من كثرة الحمل، أو ضعف المرأة من الحمل المتتابع بدون أن يكون بين الحمل والحمل فترة تستريح فيها المرأة وتسترد صحتها، والله تعالى يقول: }يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{ [البقرة 185]، وقال تعالى: }وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{ [الحج: 78]، وأما استعمال الدواء لمنع الحمل أبداً فهو محرم).
2- في سنة /1959/ كتب العلامة محمود شلتوت يقول: [أما تحديد النسل بمعنى تنظيمه بالنسبة للسيدات اللواتي يسرع إليهن الحمل، وبالنسبة لذوي الأمراض المتنقلة، وبالنسبة للأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسؤوليات الكثيرة ولا يجدون من حكوماتهم أو من الموسرين من أمتهم ما يقويهم على احتمال هذه المسؤوليات، إن تنظيم النسل بشئ من هذا - وهو تنظيم فردي لا يتعدى مجاله - شأن علاجي تدفع به أضرار محققة، ويكون به النسل القوي الصالح، والتنظيم بهذا المعنى لا يجافي الطبيعة ولا يأباه الوعي القومي، ولا تمنعه الشريعة، إن لم تكن تطلبه وتحث عليه].
إذاً: فتنظيم الأسرة في الشريعة الإسلامية مرتبط بالحاجة إليه عند الضرورة، على أن يتم ذلك بشكل اختياري وبقناعة ودون إجبار أو قهر، وأن يكون مرتبطاً بظروف وأوضاع الزوجين الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ومن الضروري جداً أن يتحاور الزوجين في هذا الخصوص، ويتناقشا حتى يصلا إلى القرار المناسب.
ويجب أن لا نخلط بين تنظيم الأسرة المباح، ومفهوم تحديد النسل المحرم الذي يكون على مستوى الأمة ككل.
والشرط الشرعي لتنظيم الأسرة أن تكون الوسيلة المؤدية إلى ذلك مشروعة بحيث لا تستخدم وسائل محرمة.
أهمية التواصل بين الزوجين في اتخاذ القرار بخصوص البدء والاستمرارية باستخدام وسائل تنظيم الأسرة:
هذا، وإن من أهم العناصر التي يبنى عليها الزواج الناجح التفاهم والانسجام بين الزوجين في الآراء والمواقف، وهذا لن يأتي إلا عن طريق التواصل المستمر والفعّال بين الزوجين.
على أن يكون هذا التواصل مبنياً على احترام وتقدير كل طرف للآخر بحيث يؤدي في النهاية إلى اتخاذ قرارات مشتركة تخص مستقبل الزوجين والأسرة حسب ما يتفقان عليه.
ويجب أن لا تفترض الزوجة مسبقا عدم موافقة الزوج على أي فكرة دون أن تتحاور معه بشأنها، والعكس صحيح.
كما أن على الزوج أن يطلع على معلومات صحية ليتفهم خصوصية الاحتياجات النسائية، ليتمكن الرجل من الاشتراك مع زوجته في اختيار الوسيلة المناسبة والمساعدة في الاستخدام الصحيح لها، ودعم الزوجة في ذلك مما يمّكن المرأة من اتخاذ قرارها بخصوص استخدام وسيلة معينة من وسائل تنظيم الأسرة والاستمرار عليها. 
أسباب ممارسة تنظيم النسل:
1- وجود مرض من الأمراض المعدية، عند الزوجين أو أحدهما.
2- الخوف على صحة الزوجة وسلامتها بسبب الحمل المتتابع.
3- الضعف الاقتصادي عند الزوج.
والإمام الغزالي يعبر عن هذا السبب بقوله: [الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب، ودخول مداخل السوء، وهذا أيضاً غير منهي عنه، فإن قلة الحرج معينة على الدين] ([23]).
توجيهات مهمة:
أولاً ـ الاتفاق على أن الدعوة إلى تنظيم الأسرة لا يجوز أن تكون دعوة إلى محاربة الزواج، أو محاربة النسل [الذرية] بحد ذاتها.
ثانياً ـ الإيمان بأن حب الذرية أمر فطري، لا تقهره عقبات مصطنعة موضوعة في طريقه، فوجود الذرية بين البشر أمر لا بد منه، إلا أن القرآن الكريم يوجه إلى أن تكون الذرية طيبة صالحة نافعة منتفعة.
فهذا زكريا عليه السلام تتقدم به السن، وامرأته عاقر، فيدعو الله أن يمن عليه بذرية صالحة طيبة: } هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء{ [آل عمران: 38].
وعباد الرحمن يدعون ربهم: }رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{ [الفرقان: 74].
 وقرة الأعين معناها: هدوؤها واطمئنانها، وهو كناية عن سرورها وسعادتها، وإنما تكون الذرية سبباً للسعادة والمسرة إذا كانت سليمة قوية سعيدة نافعة.
ثالثاً ـ هناك مفهوم خاطئ في أذهان كثيرين، وهو ظنهم أن كثرة الذرية [النسل] علامة على الرضى الإلهي والخير والبركة.
وليس على ذلك دليل عقلي أو نقلي؛ بل قال تعالى: }وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ{ [سبأ: 37].
 مع ملاحظة أن الكثرة العددية تقع للصالحين والطالحين، وللمؤمنين والكافرين، بل إن المؤمنين قلة بالنسبة إلى الكافرين.
ولو تتبعنا مادة (الكثرة) ومادة (القِلة) في القرآن الكريم لوجدناه لا يمدح الكثرة لمجرد أنها كثرة، ولا يذم القلة لمجرد أنها قلة، بل على العكس يندد بالكثرة الطالحة وينوّه بالقلة الصالحة، فيقول تعالى: }كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ{ [البقرة 279]، ويقول عزَّ وجلَّ: }قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [المائدة 100].
وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يندد بالكثرة الضعيفة: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم حينئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت"([24]).
وكثرة الأولاد قد تدعو إلى الفتنة، قال تعالى: }وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{ [الأنفال: 28]، وقال تعالى: }إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{ [التغابن: 15].
وللفتنة معنيان:
ـ اختبار وابتلاء.
ـ سبب للوقوع في المعاصي والمنكرات.
فالولد قد يكون مصدر قلق وعدم ارتياح، نظراً لصعوبة التربية، أو فساد النشئة، أو قلة المال، وعسر الحال، مما يدعو إلى مضاعفة الجهد، وتحمل المتاعب في سبيل تعليمهم أو تهيئتهم للمجتمع، حتى يستقلوا بحياتهم، وقد يعاني الآباء من عقوقهم ابتلاء من الله واختباراً، فقد ينحرف بعض الأولاد، فيسيؤون إلى أنفسهم وإلى عوائلهم، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الولد مبخلة، مجبنة، مجهلة، محزنة"([25]).
فالولد ـ ويزداد الأمر اتساعاً مع كثرة الأولاد ـ يحمل الأب:
على البخل على نفسه وعلى الناس؛ ليوفر المال لولده.
وعلى الجبن والخوف من مواجهة الحقائق الكبرى؛ ليعيش لولده.
وعلى الجهل والاعتداء على الآخرين؛ دفاعاً عن ولده، في غير وجه حق.
وعلى الحزن والأسى على ما يصيبه من مكروه.
رابعاً ـ مباهة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمته بين الأمم منوط بالأفضلية عبر الكيف (النوعية)، وليس من خلال الكم (العدد وكثرته).
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى النوعية بالقوة، إذ قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من الله الضعيف".
ولم يتم تحديد أي عدد للأولاد كثرة أو قلة في نصوص الشريعة، بل تُرك ذلك لظروف الزوجين وحياتهما، وقدرتهما على تحمل تكاليف الحياة؛ رعاية وتربية، وإنفاقاً وتعليماً.
والمسلمون مطالبون بتربية أولادهم تربية صالحة، تجعل منهم قوة علمية جديرة بحمل رسالة القرآن الخالدة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"([26]).
ورحم الله أبوين أعانا أولادهما على برهما، وقد حذرنا القرآن من أن يكون الولد عدواً، فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {[التغابن: 14].
ومن الأثم والخطأ تضييع الأمانة وبخاصة أمانة تربية الأبناء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كفى بالمرء إثماً ان يضيع مَن يقوت"([27]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه؛ حفظ أم ضيَّع؟!!، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"([28]).
خامساً ـ ينبغي أن ينهض تنظيم الأسرة على أساس أنه عمل وقائي يسبق الحمل، ولا يقضي على الحمل بعد وجوده.
وهذا من الأخذ بالأسباب، ولا يتعارض مع الإيمان باقضاء والقدر.
سادساً ـ تجنب موضوع الإجهاض والإسقاط ما أمكن، وبخاصة بعد نفخ الروح فيه، فالإجهاض عندها يعتبر قتل نفس.
سابعاً ـ تقليل عدد الذرية ليس الطريقة الوحيدة لمعالجة التضخم السكاني، فهناك طرق ووسائل أخرى كـ: مضاعفة الإنتاج، وتطوير الزراعة وتحديث الصناعة، واستغلال كل ما يمكن الاستفادة منه لإسعاد بني الإنسان.
ثامناً ـ يجب السعي لمعالجة المصابين والمصابات بالعقم، لكي يشعر الناس بالسعادة، وبصدق توجه دعوة تنظيم النسل؛ فليست الدعوة إلى تقليل، وإنما التنظيم هو المبتغى.
تاسعاً ـ تنظيم النسل ليس فكرة مفروضة من جهة خارجية تنفيذاً لمخطط أعداء الأمة، فالعمل على تنظيم النسل يكون بدافع إيماني، وقناعة عقائدية، وضرورة حياتية.
وإذا التقت فكرة الإيمان مع دعوات من هنا أو هناك، فلا ينبغي أن تكون ردة الفعل سلبية تجاه الوارد علينا من الجهات الأجنبية.
فأي دعوة ـ سواء نبعت فكرتها من الداخل، او أتت عبر القنوات الخارجية ـ تعرض على نصوص الشريعة الإسلامية، فما وُجد فيها ما يحقق هدف الشريعة عُمِل به، وما وُجِد مخالفاً تركناه، بل منعناه.
فما تنظيم النسل إلا وسيلة من وسائل الرفاه الاقتصادي والاطمئنان الاجتماعي، والراحة النفسية.

تنظيم الأسرة مفيد للجميع
فوائد تنظيم الأسرة:
لتنظيم الأسرة فوائد اجتماعية واقتصادية وصحية تعود على الفرد والعائلة والمجتمع؛ فمع ما يعود به من فوائد في إمكانية المباعدة بين الأحمال، وتقليل عدد الأحمال أو منع الأحمال غير المرغوبة أو التي تنطوي على مخاطر كبيرة، يوفر تنظيم الأسرة الفوائد التالية:
فوائده العائدة على الأم: 
ـ تخفيض مخاطر وفاة الأمهات.
ـ تقليل المخاطر الصحية التي قد تحدث نتيجة للأحمال المتقاربة والمتكررة، وخاصة على الأمهات في المراحل العمرية الصغيرة جدا أو الكبيرة.
ـ الحفاظ على صحة الأم؛ فمن خلال المباعدة بين الأحمال تحافظ الأم على صحتها  الجسدية والعقلية.
ـ تخفيض نسبة الأحمال ذات المستوى المرتفع من الخطورة.
ـ تقليل المخاطر الناتجة عن الإجهاض غير المأمون والذي قد يتم اللجوء إليه للتخلص من الأحمال غير المرغوب بها.
فوائده العائدة على الطفل:
ـ تخفيض معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة، ووفيات الأطفال قبل الولادة.
ـ تخفيض معدل ولادة المواليد الخداج وذوي الأوزان المتدنية.
ـ تخفيض معدل إصابة الأطفال بالأمراض المعدية وسوء التغذية.
ـ تخفيض معدل التشوهات الخلقية والتخلف العقلي.
ـ تحسين نمو وتطور الأطفال من النواحي الجسمية والعقلية والفكرية والصحية.
ـ توفير فرصة أكبر لعناية الأم بطفلها وتغذيته وإرضاعه رضاعة طبيعية طويلة وكافية.
فوائده العائدة على العائلة:
ـ تحسين نوعية الحياة والرفاهية لأفراد الأسرة.
ـ توفير الجو النفسي الملائم لنمو الطفل في بيئة اجتماعية وصحية ونفسية متوازنة.
ـ التقليل من المجهود الجسدي والذهني الذي يقع على كاهل  أولياء الأمور في تربية أبنائهم.
ـ تخفيض الأعباء الاقتصادية عن كاهل العائلة، مما يوفر فرصة تقديم مستوى جيد من التغذية، والرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه وغير ذلك.
ـ إيجاد الوقت الكافي وتمكين العائلة من المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
  فوائده العائدة على المجتمع:
ـ تحسين الوضع الصحي والتعليمي والاجتماعي للمجتمع.
ـ زيادة فرصة التنمية الاقتصادية وتحسين الوضع الاقتصادي وتخفيف الفقر.
ـ حماية البيئة وذلك بالتوازن ما بين  الموارد الطبيعية  وعدد السكان.
ـ تخفيض الطلب على الخدمات العامة مثل السكن والماء والطاقة والتعليم والخدمات الصحية والاجتماعية.
ـ زيادة نمو معدل الدخل القومي للفرد.
ـ تنخفض الخصوبة بحوالي 50% أسرع في المتوسط.
وبعد:
فليس تنظيم الأسرة محاربة للزواج، ولا محاربة للذرية، ولا معارضة للأقدار؛ لأن الله سبحانه وهب الإنسان عقلاً وأنزل عليه تشريعاً، وبذلك يسلك السبيل إلى السعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر: }وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{ [الشمس 7-10].


([1]) قصة الحضارة، ول ديورانت.
([2]) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى.
([3]) أخرجه البخاري.
([4]) رواه البيهقي، وهو حديث ضعيف كما قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء العلوم الدين، للغزالي.
([5]) رواه أبو داود والنسائي، وهو محمول على الكثرة الصالحة.
([6]) رواه ابن ماجه، ومالك
([7]) متفق عليه.
([8]) رواه أبو داود.
([9]) رواه مسلم.
([10]) رواه مسلم.
([11]) رواه الحاكم في تاريخه.
([12]) رواه البخاري.
([13]) رواه القضاعي في مسند الشهاب.
([14]) إحياء علوم الدين، الغزالي.
([27]) رواه مسلم.
([15]) ابن أبي الحديد في شرح كتاب نهج البلاغة، (137)، 18/339.
([16]) فيض القدير، المناوي، (3603)، 3/352.
([17]) الاستذكار، ابن عبد البر، 8/580.
([18]) الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ النُّعْمَانِ، الشَّيْخ زَيْنُ الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجَيْمٍ (926-970هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة:1400هـ=1980م، 428.
([19]) الأم، للشافعي (6/275) ط دار الوفاء، وانظر: أحكام القرآن للشافعي، جمع البيهقي (1/274). وروي هذا القول أيضاً عن سفيان بن عيينة وزيد بن أسلم. انظر: تفسير ابن كثير (2/212).
([20]) حاشية البجيرمي على الخطيب، فصل في العدد، وتحفة المحتاج، شرح المنهاج، وحاشية الجمل، وحواشي الشرواني، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج.
([21]) أي: يصرعه من على فرسه؛ لضعف قواه.
([22]) رواه أبو داود.
([23]) إحياء علوم الدين، محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، الباب الثالث في آداب المعاشرة، دار االمعرفة – بيروت، 2/52.
([24]) أخرجه أبو داود.
([25]) رواه الحاكم والطبراني.
([26]) رواه البخاري ومسلم.
([28]) رواه ابن حبان.

No comments:

Post a Comment