Sunday 19 January 2014

الإسلام وتنظيم الأسرة - الحكمة


1 -  مفهوم الأسرة المسلمة : الأسرة في منظور الإسلام هي تلك الآصرة التي تتكون من الزوج والزوجة والأولاد والأجداد والأقارب ، فهي أسرة ممتدة تضمن بامتدادها لكل فرد منها الطمأنينة والأمان .
والطفل في هذه الأسرة الممتدة  بشرط أن تكون متعلمة وواعية  ينمو متشبعا بالحنان والعطف ومؤازرا بعصبة تهبه القوة والشجاعة فينشأ سليم البدن والوجدان وشتان بينه وبين الطفل الذي يربى في دور الحضانة .فينمو سليم البدن مهتز الروح مضطرب النفس، شيخ يعيش بين أهله وحفدته ، يحترمه الصغير ويعينه الكبير وبين شيخ يعيش هاجس الشيخوخة لأن هذا الهاجس يعني الوحدة والنبذ وهجرة الأبناء والأحفاد . فالأسرة المسلمة بنية تربوية للتضامن والتآخي والتراحم، وهي بذلك تكون أصلح لبنة لبناء مجتمع إسلامي متضامن .
 مسؤوليات الأسرة المسلمةتتحمل الأسرة المسلمة مسؤوليات كثيرة منها:
  أ  المسؤولية الدينية: فالأطفال وديعة لدى الأسرة وهي مسؤولة عن إرشادهم إلى ما يزكي فطرتهم الدينية، وينظم سلوكهم.
قال عليه الصلاة والسلام :( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ويقول تعالى: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ".فالمسلم كما هو مأمور بحفظ نفسه من النار ، مأمور كذلك بحفظ أهل بيته منها فيحملهم على عبادة الله وطاعته ، والامتثال أوامره واجتناب نواهيه .
  ب  المسؤولية التربويةتقوم الأسرة بدور كبير في التنشئة الاجتماعية للأطفال ، وتربيهم على القيم الرفيعة وتمكنهم مـــن أسس المعرفة التي تفتح لهم أبواب العلم ، حتى إن بعض المفسرين فسروا قوله تعالى : "قوا أنفسكم وأهليكم نارا"بــأن الوقاية من النار لا نكون إلا بالتعليم ، فالتربية والتعليم من مسؤولية الأسرة . وسوف تحاسب عليها يوم القيامة . فالتعليم مــن حقوق الولد ، يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( حق الولد على الوالد ثلاثة : أن يحسن اسمه ، وأن يعلمه الــكتابة ، وأن يزوجه ) .وحق التعليم واجب للذكر والأنثى كما حثت عل ذلك أحاديث كثيرة.
  ج  المسؤولية الاجتماعية : الإسلام يؤكد على صلة الرحم وإيتاء ذي القربى، والهدف الاجتماعي من هذا التأكيد ، هو بقــاء
الأسرة المسلمة متضامنة متآزرة مشبعة بروح الود المتواصل .

وذوي القربى في المنظور الإسلامي هم قربى النسب وقربى المصاهرة ، فأهل الزوجة قربى للزوج وأهل الزوج قربى للــزوجة  والإحسان يشمل النسب والمصاهرة . وقد قرن الإسلام الإحسان لذوي القربى بالإحسان إلى ا لوالدين ، مما يــؤكد مـوقـعهم ضمن الأسرة .والإحسان إليهم يكون بزيارتهم وتفقد أحوالهم وتقديم العون لهم ، وهـذا اكبر مثال للرعاية الاجـتـمــاعــيــة في الإسلام.  

د  المسؤولية الاقتصاديةفالأسرة كما هي مسؤولة عن الرعاية الاجتماعية للطفل فهي مسؤولة عن احتياجاته المادية .
وإذا كان أمر الإنفاق مؤكلا إلى الأب، بحكم قوامته على البيت ، فإنه لا ضـيــر إذا تعاون كل أفراد الأسرة الـنـشـيـطـيـن عـــلى مسؤولية الإنفاق ، ويكون ذلك بالمعروف ، وفقا للقاعدة الشرعية المنصوص عليها في سورة البقرة : " على المـوسر قدره وعلى المقتر قدره " كما يلزم أن يكون من الرزق الحلال .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أفضل دينار ينفقه الـــرجل : دينار ينفقه على عياله ).
والإنفاق يشتمل كل التحملات الاقتصادية من مسكن ومأكل وملبس وتعليم وتطبيب ، كما يشمل نفقات الترفيه الموافق لأحكام الشريعة الإسلامية .

المحور الثاني :   دعوة الشريعة الإسلامية إلى تكثير النسل

لقد شجع الإسلام على الزواج ورغب فيه بهدف إنجاب الذرية وإبقاء الجنس الآدمي ، وتكثير سواد الأمة . والشريعة الإسلامية عندما تدعو إلى هذه الكثرة فإنــــها تقصد الكثرة القوية ، فرسول الله ( ص) لا يتباهى  بالأمة الضعيفة مهما كثر عددها ، وقد اعتبر الرسول ( ص) الكثرة الضعيفة كغثاء السيل حين قال:( توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ، قال : بل أنتم يومئذ كثير ولكنم كغثاء السيل فالحديث يؤكد أن الكثرة  الضعفية لا خير فيها ، لذلك نظمت الشريعة الإسلامية أسس الزواج : فمنعت الزواج من المحارم ، واشـتـرطـت الـدين والأخلاق الحسنة في اختيار الزوج أو الزوجة ، وأباحت فسخ العقد عند وجود مرض جنسي أو معدي دائم وبينت مدة الرضاع المعتبرة تجنبا للغيلة  قال تعالى : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " وقـــال ( ص )  : ( لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيلة يدرك الفارس فيد عثره  عن فرسه ) .
والقصد الشرعي من كل ما سبق هو : إنجاب الذرية الصالحة والمحافظة عليها قوية ومتعلمة ومنسجمة ومؤمنة ،لأنها مصدر من مصادر استقرار الأسرة وانسجامها.
المحور الثالث :   مشروعية تنظيم الأسرة   
-  تفكير بعض الصحابة في تنظيم الأسرة :
رغم النصوص الصريحة في الدعوة إلى التكاثر ، فإن بعض الصحابة فكروا في تنظيم أسرتهم بالطريقة التي كانت معروفة في مجتمعهم وهي "العزل " فسأل بعضهم الرسول ( ص)  عن مشروعيته ، فكأن توجيهه عليه الـسـلام مـراعــيا لظروف الأشخاص وحالاتهم . فالصحابي الجليل جابر بن عبد الله يِؤكد أن الصحابة كانوا يعزلون على عهد رسول الله ( ص)  ولم ينههم عن ذلك ، ويضيف بأنه لو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن ، وأكد أن الأمر بلغ النبي ( ص) فأقرهم عليه ، بل إن بـعض الـصحابة حرصوا على ذكر سبب ممارستهم للعزل وهو تحاشيهم للنسل . فعن أبي سعيد الخذري ( رض) قال : (إن رجلا قال : يا رسول الله ، إن لي جارية وأنا أعزل عنها ، وأنا أكره أن تحمل ، وأنا أريد ما يريده الرجال  إذن  فالعزل وتنظيم النسل جائز إذا دعت إليه الضرورة الشرعية لذلك .
 من ضرورات تنظيم النسل أو الأسرة :  
 لقد راعى الإسلام في موضوع تنظيم الأسرة مصلحة المجتمع والأسـرة معا ، وأوكل للأسرة أمر تنظيم نفسها وولادتها عند الضرورات التالية :
أ -  الـضـرورات الـفــرديـة : قد تدعو الضرورة بعض الأفراد إلى وضع تخطيط لنسلهم تبعا لضرورات شخصية تـدفـعـهـم إلــى ذلك ، ومن هذه الضرورات :
     * إذا كان الحمل يسبب للمرأة المرض أو زيادته أو تأخر شفائه ، فإنه يباح لها بالاستشارة مع زوجها ورضاه  أن تعـمـل على تأخير الحمل إلى حين زوال السبب.
* إذا خيف الضرر على الجنين أو الولد ، فإذا كان أحد الزوجين مصابا بمرض خطير ينتقل عن طـريـق الـوراثـة إلى الأولاد فيخشى  بعد حكم الطبيب المتخصص -أن يخلق الولد مصابا بعاهة مستديمة ، أو يـخـاف عـلى الـولـد أن يـرضـع الـغـيلة فيهزل ويمرض ، فإنه يباح للأبوين أن يقررا تأخير الحمل إلى حين زوال السبب.
ب  الضرورات التربوية والاجتماعية الشريعة الإسلامية جعلت حق تعليم الأولاد ذكورا وإناثا  واجبا لأن أول ما نزل من القرآن يدل على القراءة ، وعلى أن العلم  أساس الحياة الكريمة للمسلم ؛ فإنها أباحت للأسرة العاجــزة عن توفير هذا الحق لأبنائها المباعدة بين الولادات ، هذا بالنسبة للضرورات التربوية .
 أما الضرورات الاجتماعية ، فقد اتفق متأخرو الحنفية على جواز العزل  على الولد الســوء لفساد الزمان أخذا منهم بقاعدة ( تغيير الأحكام بتغيير الزمان ). وقد أفتى ابن القيم بعدم طلب الولد إذا خـيـفـت ولادتـه بـدار الحرب حيث يقول : ( ومن سد الذرائع أن المسلم إذا احتاج التزوج بدار الحرب وخاف على نفسه الزنى عزل عن امرأته ).
ج -  الـضـرورات الاقـتـصـادية : فالأسرة مطالبة بالإنفاق على أطفالها لكن أحيانا قد لا تستطيع أن تــوفـر لـهـم الـمـتـطـلـبـات الضرورية للحياة الكريمة ،  ففي مثل هذه الحالة يباح للأسرة أن تقلل من حالات الحمل حتى يفيء الله عليها من أسباب الرزق .
3 -  الوسائل الشرعية لتنظيم الأسرة : إذا كانت النصوص الشرعية ومواقف الفقهاء تجيز تنظيم الأسرة بالعزل للـضـرورات السابقة ، وإذا كان العزل هو الحيلولة دون اتصال الحيوان المنوي ببويضة المرأة أثناء الإخصاب ، فــإنـه مـن بـاب الـقـياس لوجود نفس العلة يمكن الاستعانة بالوسائل الطبية إذا دعت الضرورة إليها شريطة أن :
 تكون الوسيلة مشروعة .
2 -  لايلحق ذلك ضررا بأحد الزوجين أو هما معا .
3 -  لا يكون فيها عدوان على حمل قائم .
4 -  لا يكون فيها تغيير لخلق الله كالإعقام الأبدي إلا إذا دعت لذلك ضرورة صحية كسرطان الرحم  مثلا- .


No comments:

Post a Comment